عام >عام
رحيل د. جمال علّو البشوش رغم الألم
الأربعاء 17 08 2016 09:04هيثم زعيتر
ما إنْ أقفلنا عائدين من تقديم التعازي في بلدة النبطية الفوقا بالحاجّة صبحية الزين نور الدين، حتى وصل نبأ رحيل الدكتور جمال علي علّو رئيس "رابطة أطباء النبطية»، الذي ووري الثرى في اليوم التالي في مقبرة النبطية الفوقا.
إنّه الموت الحق، وإنْ كان مكروهاً، فغياب عزيز أمر محزن، لكنه قضاء الله وقدره.
هكذا برحيل الدكتور جمال علّو (في العقد الخامس)، لا نفتقد شخصاً عادياً، بل طبيباً ناجحاً سيفتقده زملاؤه في "رابطة أطباء النبطية"و"نقابة أطباء لبنان"والمهن الحرّة، في النبطية وخارجها، وهو الحامل لهمومهم، والمطالب بحقوقهم، والساعي لتطوير ورفع المستوى الطبي، وتثبيت الطريقة اللائقة للتعامل مع الأطباء وعدم سلب حقوقهم.
سيفتقده مرضاه، خاصة من الطبقة الكادحة، والفقراء والمحتاجين، الذين كان بلسماً لآهاتهم وجراحهم، وشريكاً في معاناتهم المرضية وحتى همومهم المعيشية والاجتماعية.
هو الطبيب الديناميكي، صاحب الابتسامة البشوشة التي يستقبلك بها، والتي رافقته حتى في أصعب الظروف وأحلكها، وهو يصارع الموت، ويتحمّل آلام المرض العضال.
هو المثقّف الشغوف بالاطلاع، ليس فقط على الكتب العلمية وكل تطوّر في هذا المجال، بل أيضاً السياسية والأدبية والشعرية والدينية، وعلى الرغم من كثرة انشغالاته الطبية، لا يمكن أنْ يغيب عن مناسبة أو نشاط يُقام في النبطية أو حتى خارجها.
والمحطات مع الصديق الدكتور جمال علّو متعدّدة، فعندما أعلن عميد "اللـواء"الأستاذ عبد الغني سلام ورئيس التحرير الأستاذ صلاح سلام عن إطلاق حملة ضد الفلتان الأخلاقي في تشرين الأول 1997، وأوكلت إليَّ مهمة الاتصال بفاعليات جنوبية للمشاركة في اللجنة، التي كانت تمثّل مختلف الشرائح والمناطق اللبنانية، وما أنْ اتصلت بالدكتور جمال عارضاً للموضوع، حتى سارعَ إلى الموافقة، وكان مع الراحل الشيخ كمال شحرور رئيس "التجمّع الوطني لأبناء القرى السبع"يمثّلان منطقة النبطية، ويشاركان في جميع اللقاءات والزيارات التي كانت تقوم بها اللجنة، انطلاقاً من الإيمان بأهمية هذه الخطوة، وأيضاً ضرورة التعامل الحاسم مع معضلة الفلتان الأخلاقي، التي لو تعامل معها المسؤولون بحزم، وغلّبوا المصلحة العامة على بعض المصالح الشخصية، لما كنّا وصلنا إلى ما وصلنا إليه من تفلّت أخلاقي.
وخلال توقيع كتبي في النبطية، كان الدكتور جمال في طليعة المشاركين والمواكبين.
الدكتور جمال، الشيعي، لا يمكن أنْ تشعر وأنتَ تتعامل وإيّاه بانغلاق، بل بانفتاح على أخيه السني والدرزي والمسيحي، لأنّه يؤمن بقيمة الإنسان، وانتمائه إلى وطنه لبنان، كجزء من العالم العربي، وفي القلب منه قضية فلسطين التي ناضل من أجلها، كما قضايا المظلومين في كل المحافل.
وهذا ما تربّت عليه العائلة من الأبوين الحاج علي علّو والحاجة مريم حمد غندور، ذكوراً وإناثاً، فكدّوا، وتخرّجوا أطباء ومهندسين وأساتذة ومرّبين، وكان لكل منهم دور في مجاله، والقاسم المشترك الصدق ودماثة الخلق.
عندما كُنّا نقدّم إليه والعائلة التعازي قبل أقل من عامين بشهر برحيل صهره العلامة السيد هاني فحص ردّد على مسامعنا شعراً كان يردّده العلامة الراحل، لصديقه الراحل محمود درويش: "كل قلوب الناس جنسيتي.. فلتسقطوا عنّي جواز السفر".
وهكذا كان الراحل الدكتور جمال علّو يرى في قلوب الناس جنسيته العابرة للحدود دون جواز سفر، حيث يرحل وفي قلبه غصة على ما وصل إليه عالمنا العربي من فرقة وقسمة، وأصبحت الحاجة إلى جواز سفر للعبور، ليس بين بلد وآخر، بل بين منطقة وأخرى.
لكن كما كان يؤمن الراحل، فالأمل والخير في هذه الأمة إلى يوم قيام الساعة، وهو الذي ووري الثرى في مسقط رأسه النبطية الفوقا، في جبل أبي ذر الغفاري، الذي أذاق الويلات للمحتل الإسرائيلي، رغم الجراحات التي كان يبلسمها الدكتور جمال وزملاؤه، صامدين ومفشلين مخطّط العدو بسياسة الأرض المحروقة.
هنيئاً للراحل الدكتور جمال علّو وهو يرقد في مكان يطل على فلسطين، لعلّه يسمع قبلنا تكبيرات فتح التحرير والنصر الآتي لا محالة.