ثقافة وفن ومنوعات >ثقافة وفن ومنوعات
رجال القضاء في مواجهة رجال السياسة
إنّها قصّة حقيقيّة من تاريخ رجالات القضاء الأفذاذ.
يُحكى أنّه عندما كان الزعيم جمال عبد الناصر رئيسًا للجمهوريّة العربيّة المتّحدة وجّه آنذاك كتاب ثناء لرئيس محكمة النقض السوريّة في القطر الشماليّ السيّد عبد القادر أسود يشكره على جهوده المبذولة في "محكمة النقض بالقطر الشماليّ".
بيد أنّ هذا القاضي المميّز بأحكامه وأخلاقه الرفيعة أعاد كتاب الثناء "الموجَّه إليه" إلى مرجعه (أي إلى الرئيس جمال عبد الناصر) مذيَّلًا بحاشية يقول فيها: "من يمتلك الثناء يمتلك العقاب". ولمّا كان رئيس الجمهوريّة لا يمتلك صلاحيّة توجيه العقاب لأعضاء السلطة القضائيّة، فإنّه من باب أولى لا يمتلك توجيه الثناء لهم.
"السيّد الرئيس يُرجى طيّ ثنائكم هذا وإلّا سأضطرّ آسفًا للطلب من النيابة العامّة تحريك الدعوى العامّة بحقّكم في جرم التدخّل بأعمال السلطة القضائيّة".
وبالفعل، قد تمّ طيّ كتاب الثناء.
هكذا كان القضاء ورجالاته في الزمن الجميل، زمن الرجال في الأفعال والأقوال قبل أن تتدخّل السياسة في كلّ شيء، وقبل أن يصبح لكلّ طائفة قضاتها ولكلّ ملّة ولاتها، وقبل أن يختلّ ميزان العدالة عند أبواب الحكّام خوفًا من تشكيلات من هنا ومناقلات من هناك.
فأين نحن اليوم من قضاة الأمس؟ وهل أخذنا العبرة من محدثات الأمور، وخيبات الأمل المتتالية من صدى ساسة المناكفات والمنعطفات والمساومات على كلّ الصعد والمستويات؟ وبالتالي هل يقف القضاء وقفته التاريخيّة فيكسر جدار الصمت، ويحطّم الأغلال، ويتفوّق على ذاته لتحقيق الاستقلال؟
على أمل أن تدقّ ساعة العمل.