مقالات هيثم زعيتر >مقالات هيثم زعيتر
محمد فخر الدين ... عشقٌ من جبل عامل إلى القدس
هيثم زعيتر
إنّ الموت حق، لكن غُصّة الفراق وآلامه قاسية، والأقسى أنْ تتلقّى نبأ رحيل أخٍ عزيزٍ بشكلٍ مُفاجئ.
خَطَفَ الموت محمد أحمد فخر الدين "أبو علي" (عن 65 عاماً) ... دقائق قبل أنْ تستفيق من الصدمة.
نعم، رحل الرجل الطيب، الصادق، المُناضل الوطني المُقاوم، رجل الخير والبر، ومدِّ جسور التواصل بين المُتخاصمين.
المُتفاني في العمل النضالي في الجمعيات والمُؤسّسات والأندية، اجتماعية، ثقافية، صحية، اقتصادية، تربوية، بيئية، رياضية وكشفية، مُدافعاً عن حقوق المُواطنين، شيوخاً مُخضرمين، وشباباً يافعين وأطفالاً حالمين.
في عُجالة أخطُّ بعض كلمات، ولم أستفق من الصدمة بعد.
محمد فخر الدين، مُنذ أنْ عرفته لأكثر من 3 عقودٍ من الزمن، لم يتغيّر، ولم تُبدّله الأيام والسنون ولا الظروف.
هو الناصري، الذي آمن بثورة الزعيم الخالد جمال عبد الناصر، وهو يرحل في ذكرى رحيله الـ51.
المُقاوم للاحتلال الإسرائيلي، والمشاريع الانعزالية والإهمال والحرمان.
* في مُقاومته للاحتلال، لا يُمكن لأحد أنْ يُزايدنَّ عليه، فإبن عاصمة جبل عامل، عَشِقَ القدس، وناضل من أجل فلسطين، ودافع عن أبنائها في أحلك الظروف وأصعبها، يوم تخلّى عنها كُثر.
بقي مُلتصقاً وفياً للقضية، التي عاهد نفسه مُنذ كان على مقاعد الدراسة، النضال لأجهلها.
دافع عنها مُقاتلاً، مُناصراً، وفي طليعة مُنظّمي الاعتصامات والتظاهرات والنشاطات الداعمة لها، والمُدينة والشاجبة لاعتداءات الاحتلال على أهلها ومُقدّساتها داخل فلسطين... وفي لبنان يوم تعرّضوا للاضطهاد!
في المُقاومة اللبنانية، شارك في الدفاع عن الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية بمُواجهة المشاريع الانعزالية، يوم قصد العاصمة بيروت مُدافعاً عنها.
يُسجّل له دوره البارز مُساهمةً في إطلاق شرارة مُقاومة الاحتلال، وكُثر ممَّن تربّوا على يدي "أبو علي" أصبحوا في مراكز قيادية.
إنْ تباينت وجهات النظر السياسة بين محمد فخر الدين وآخرين، لكن المُقاومة تبقى خطاً أحمر، تتوقّف عنده كل الخلافات.
قاوَمَ الاحتلال الإسرائيلي في مدينة النبطية، التي عاشت في قلبه ونبضه، وتصدّى له مع ثُلةٍ من المُقاومين، وبعد تحريرها، واصل التصدّي مع استمرار الاحتلال في مُمارسة حقده الدفين، قتلاً وتدميراً واعتداءً من على تخوم بلداتها، قبل التحرير الناجز.
- في مُقاومة الإهمال والحرمان والإقطاع، شكّل محمد فخر الدين رأس حربةٍ لمُواجهة ذلك، من خلال الزيارات واللقاءات والنشاطات والتحرّكات، فهو ابن الناس الطيبين في حي السراي بالنبطية، لم تغيّره ظروف الحياة، فبقي مُلتصقاً بالمُواطنين، يعيش آلامهم، ويسمع آهاتهم ويعمل على بلسمة جراحهم.
- في العمل الاجتماعي، لا شك في أنّ جميع الأندية والجمعيات على اختلاف مشاربها وانتماءاتها، وتنوّع نشاطاتها، تحفظ لـ"أبو علي" دوره في إنشائها أو المُساعدة في تأليفها، وتأمين الدعم والمُؤازرة لها، وتقديم كل ما أمكن، فطوّبته رئيساً لـ"تجمّع الأندية والجمعيات" في النبطية، في تجربة رائدة سبق بها كثيرين، اقتدوا بنجاحها لاحقاً.
- في الانتماء إلى النبطية، المدينة التي أبصر فيها النور، كانت ومحمد فخر الدين صنوان لا يفترقان، مُفتخراً بأنّه ابن عاصمة جبل عامل ومدينة الإمام الحسين (ع)، أحبّها، عمل على تطويرها وإعلاء شأنها، وبذل الجهد لتوفير كل ما يُمكن لجعلها مدينة مُتطوّرة بناءً وبنين، ومنارة ثقافية واجتماعية، وتكريساً للتواصل مع المُغتربين.
كم هو صعب رثاء عزيز، فكيف إذا كان أخاً غالياً، لا يُمكن أنْ تقصد النبطية من دون أنْ تبدأ اللقاء بجلسة مع "أبو علي"، تخرج منها بدرايةً عن كل التطوّرات على الساحة "النبطانية"، مع جولة أفق سياسية محلية واقليمية.
في كل النشاطات التي كنتُ أُقيمها، كان حضور محمد فخر الدين أساسياً، وإلى ما يتعداه من إبداء كل مُساهمةٍ في إنجاح الحدث.
يرحل ما بين ذكرى عزيزين جمعتنا مع محمد فخر الدين صداقة وأُخوة، رئيس "التجمّع الوطني لأبناء القرى السبع" الشيخ كمال شحرور (الذي تُوفي إثر حادث سير مُؤسف في 4 تشرين الثاني/نوفمبر 2007) وعضو قيادة "تجمّع اللجان والروابط الشعبية" حسين حمود "أبو أسعد" (24 آب/أغسطس 2007)، وبعد أشهر على رحيل مَنْ أحب، العلامة السيد محمد حسن الأمين (10 نيسان/إبريل 2021)، وبعوارض مُشابهة بعد مُضاعفات فيروس "كورونا" الفتّاك!
مهما قيل عن محمد فخر الدين، لا يُمكن أنْ نفيه حقّه، فمآثره مُتعدّدة، يُقرُّ بها حتى مَنْ اختلف وإيّاه بالسياسة، أو "حاربه"، أو يتهيّب حضوره، أو تُغيظه محبّة الناس له.
يتمتّع بطيف مُحبّب، يستقبلك بابتسامته المعهودة، حتى لو كان داخله بركان من الألم، فيزيد تدفّق الدماء احمراراً إلى وجهه المُتورّد.
طيّب القلب كلحيته البيضاء، كريم النفس، صاحب واجب، ترحاً، فرحاً ومرضاً، يُخفّف عن صاحب الهم همّه، ويُسارع إلى المُساعدة والخدمة.
إذا حدّث تأنس لسماع أسلوبه العلمي، ومخزونه الثقافي، حيث تشهد المنابر على وقفته وكلماته، التي يضع فيها النقاط على الحروف بجرأة من دون تبلٍ.
له الجرأة إذا أخطأ أنْ يعترف ويُقرُّ بالنقد الذاتي.
رحيل أبكى الرجال الرجال، فسالت الدموع من المُقل عزيزة، وأدمى قلوب الثكالى والأرامل والأيتام، الذين كان لديه بهم كل اهتمام وعناية عطوفة.
في النبطية التي أحب، والحسينية التي تشهد على حضوره ومآثره، سُجّي جثمان الراحل محمد فخر الدين، وتقدّم المُصلّين عليه إمام مدينة النبطية العلامة الشيخ عبد الحسين صادق، الذي كان محمد فخر الدين مع آخرين من المُقرّبين من سماحته، والذين لن يغيبوا عن الحسينية أو إحياء مُناسبات ذكرى عاشوراء.
ووري الثرى يوم الخميس في 23 أيلول/سبتمبر 2021، في أرض مدينة الحسين (ع) وعينه ترنو إلى القدس الشاهدة على إسراء ومعراج جدّه الرسول الأكرم (صلى الله عليه وسلم)، تاركاً بصمات مُميّزة في المدينة التي أحب وعشق.
دعوة صادقة إلى المجلس البلدي في النبطية، لإطلاق اسم محمد فخر الدين على أحد شوارعه، أو لتطلق إحدى الجمعيات اسمه على إحدى قاعاتها ومراكزها، وهو أقل الوفاء لمَنْ أعطى بسخاء.
رحم الله محمد فخر الدين، وأسكنه فسيح جنانه، وألهم أسرته وأهله ومُحبيه الصبر والسلوان.
أخبار ذات صلة
الرئاسية العليا لشؤون الكنائس تشارك في افتتاح معرض "مغارة الميلاد المالطية"...
رئيس الوزراء الفلسطيني د. مصطفى: الاقتصاد الوطني تعرّض لصدمة مزدوجة جراء ال...
"الأونروا": العائلات في قطاع غزة تواجه ظروفا مزرية بسبب النزوح المتكرر
السفير علي يونس مهنئاً هيثم زعيتر: إنجازات رجل الأعمال خلف الحبتور لها أثر ...