لبنانيات >أخبار لبنانية
ما طلبه ماكرون من ميقاتي.. وما سبب الحذر الفرنسي؟!
الاثنين 27 09 2021 16:51نقولا ناصيف
النتائج الأولى لزيارة الرئيس نجيب ميقاتي لباريس ضرورية وإن لم تكن كافية، تبعاً لبعض التوقعات المغالية التي سبقتها. لم يكن منتظراً أكثر ممّا عاد به. مقدار ذهابه إلى هناك بنيّات، عاد منها أيضاً بنيّات. بيد أن الأصل هو مَن يبدأ أولاً.
ما سمعه الرئيس نجيب ميقاتي في باريس الجمعة قاطع: على الحكومة اللبنانية التي يترأس، المبادرة فوراً إلى برمجة الإصلاحات البنيوية المدرجة في برنامج صندوق النقد الدولي. عنى ذلك أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أقرن نيّاته الإيجابية بالمساعدة والدعم، بشروط واجبة لا يسع لبنان إلا استجابتها، إذا كان يريد فعلاً إخراج نفسه من القعر، ويعوّل على حبل باريس لسحبه من أسوأ ما خبره هذا البلد.
سمع ميقاتي من الرئيس الفرنسي مطالب ومواقف أساسية، منها:
1 - مباشرة التفاوض مع صندوق النقد الدولي بوفد لبناني رسمي موحّد، يحمل وجهة نظر واحدة لا تكرّر ما خبره الصندوق في المفاوضات السابقة التي أجراها في لبنان، إبان حكومة الرئيس حسان دياب، عندما وجد نفسه أمام وفد لبناني منقسم على نفسه، تتجاذبه وجهتا نظر متناقضتان، إحداهما كانت تمثّل الحكومة والأخرى مصرف لبنان، ما تعذّر معه الاتفاق.
2 - على نحو جازم، قال الرئيس الفرنسي إن لا مساعدات للبنان، أياً يكن حجمها ومستواها ومبرّرات الحاجة إليها، ما لم يُقدم، بحكومته وبرلمانه، على وضع إصلاحات حقيقية في نظاميه الاقتصادي والمالي، ومباشرة تطبيقها. من ثمّ بعد التأكد منها، تصل المساعدات تباعاً.
3 - لا يزال في وسع لبنان التعويل على قروض كان قدّمها إليه البنك الدولي في ما مضى، ولم يصر إلى الاستفادة منها. بحسب باريس، لا تزال أموال القروض المخصصة للبنان متوافرة، يمكن الاستعانة بها في مرحلة لاحقة لانطلاق الإصلاح وتلمّس نتائجه.
4 - وضع الفرنسيون بضع أولويات لمباشرة برنامج الإصلاح، هي الكهرباء وخصوصاً تأليف الهيئة الناظمة، وإدخال إصلاحات جوهرية في القطاع المصرفي كما في النقد ومالية الدولة، ناهيك بمصرف لبنان. عوّلوا أيضاً على دعم الجيش اللبناني والأسلاك العسكرية الأخرى من أجل حماية أدوارها في البلاد.
أما في المواقف السياسية ذات الدلالة التي لمسها ميقاتي من الرئيس الفرنسي أو سمعها، فثلاثة:
أولها، دعوته إلى غداء عمل رسمي في الإليزيه في اليوم الرابع لنيل حكومته الثقة في البرلمان. ضاعف اهتمام الرئيس الفرنسي بضيفه قصر المحادثات عليهما وعلى مستشاريهما الخاصين، رغم الإشارة السلبية إلى تغيّب وزيريْ الخارجية المعنيين مباشرة بالعلاقات الثنائية التي تناولها الرئيسان، كما بمضمون المحادثات نفسها. مع أن اجتماع باريس كان أول تحرّك يجريه ميقاتي كرئيس للحكومة خارج البلاد قبل أن يمرّ بالسعودية ومصر في أحسن الأحوال، إلا أن أهمية الحدث أنه أول تحرّك رسمي حيال دولة كبرى لمسؤول لبناني رفيع منذ حكومة دياب، بدا لبنان خلال الفترة المنصرمة كأنه محاصر من الغرب والشرق في آن، مقاطع ومحظّر التواصل معه.
ما بَانَ في محادثات باريس ودلالاتها، أن أياً من دول الغرب والشرق لا يقاطع هذا البلد الذي يمتنع عن استجابة ما يلحّ عليه المجتمع الدولي لمساعدته ونجدته من أزمته الخانقة، ناهيك بإهدار 13 شهراً بلا حكومة وسلطة إجرائية تتحدّث إلى الخارج أو تتفاوض معه. قال الفرنسيون إن أحداً في المجتمع الدولي لا يريد للبنان الانهيار. أما المضاف، المكمّل لبداية انفتاح الخارج، الذي تكشّف في الساعات الماضية، فهو زيارة مسؤول أميركي لبيروت هذا الأسبوع هو آموس هوكشتاين كان سبق له أن جال بين لبنان وإسرائيل لترسيم الحدود البحرية ما بين البلدين قبل المفاوضات غير المباشرة..
ثانيها، إبداء الرئيس الفرنسي استعداده للمساعدة على ثني دول الخليج العربي عن مقاطعة لبنان والابتعاد عنه، والطلب منها الوقوف إلى جانبه ودعمه. بيد أنه استثنى السعودية من هذه المحاولة. استثناء كهذا مع الدولة الخليجية الأولى ذات التأثير الحاسم في جيرانها، أفصح مجدّداً عن إخفاق فرنسي لا يزال مستمراً في إقناع الرياض لإعادة النظر في موقفها من لبنان، والانفتاح عليه مرّة أخرى. كانت باريس بذلت جهوداً مضنية تولاها ماكرون مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لإنهاء قطيعته المزدوجة مع الدولة اللبنانية والرئيس المكلف آنذاك سعد الحريري،.
ثالثها، لباريس حذر حيال المهمات الصعبة التي تنتظر حكومة ميقاتي. منوط بها مسؤوليات أكبر من العمر القانوني المرسوم لها، وينتهي بإجراء الانتخابات النيابية العامة ربيع 2022. في تقديرها أن نصف الأشهر الثمانية في عمر الحكومة ستأكله انتخابات الربيع، ما يجعل الوقت ضيّقاً . حذر الفرنسيين يقودهم إلى ما هو أبعد، وهو خشيتهم من فشلها.