لبنانيات >أخبار لبنانية
مصائب بيروت بـ«الجملة»... والمعالجة بـ«التجزئة»
مصائب بيروت بـ«الجملة»... والمعالجة بـ«التجزئة» ‎السبت 9 10 2021 10:48
مصائب بيروت بـ«الجملة»... والمعالجة بـ«التجزئة»

محمد المدني

منذ عام ونصف العام، تعتمد بلدية بيروت على السلف المالية لتأمين حاجيات العاصمة الطارئة، وذلك بذريعة تعذّر إجراء مناقصات وتلزيمات نتيجة إرتفاع سعر الدولار مقابل الليرة وإشتراط الشركات الدفع حسب سعر الصرف في السوق السوداء، ما يفوق قدرة البلدية المالية، لذلك تلجأ الأخيرة إلى الصرف عبر السلف المالية غير القانونية لأنها تتضمن تجزئة وبالتالي تخالف قانون المحاسبة العمومية، لأن تجزئة النفقة بملف معيّن كالصيانة إلى مبالغ صغيرة بقيمة 50 مليون ليرة بدل إجراء عقد تلزيم بالمبلغ السنوي الذي تكلفه الأشغال، لكن وفق المعنيين في البلدية فإن الضرورات تبيح المحظورات.

من الملفات الهامة التي تُقلق المواطن البيروتي، هي مسألة طوفان الطرقات والشوارع عند هطول الأمطار وقد شهدت منطقة الدنا منذ أيام طوفان أحد المجارير على مدار يومين متتاليين دون أن تقوم البلدية بما يلزم، وأزمة طوفان الطرقات سببها تردّي أحوال الشوارع وإمتلائها بالحفر، بالإضافة إلى عدم صيانة وتنظيف وتعزيل قنوات تصريف مياه الأمطار والمجاري الصحية، فضلاً عن أن مجارير الصرف الصحي بات عدد منها في شوارع العاصمة بلا أغطية.

أقرَّ مجلس بلدية بيروت الشهر الماضي إعطاء سلف مالية لزوم القيام بأعمال تنظيف ومعالجة الحفر وإصلاح الأعطال ضمن الطرقات العامة في مدينة بيروت، وبلغ عدد هذه السلف خمسين سلفة قيمتها ملياران وخمسمائة مليون ليرة، ووفق المعلومات، فإن المراقب المالي في البلدية عبير غلاييني لم توافق سوى على صرف 11 سلفة بقيمة 550 مليون ليرة، وقد طلب محافظ بيروت من غلاييني الموافقة على عدد أكبر من السلف لكنها رفضت، مشترطة تسديد الـ 11 سلفة لتوافق على صرف 11 غيرها.

تشير أوساط بارزة في مجلس بلدية بيروت لـ «اللواء»، إلى أن رفض المراقب المالي صرف السلف يؤكد أن عدة شوائب تشوب هذا الملف، خصوصاً أن عدداً كبيراً من السلف لم تسدد إلى الخزينة عبر فواتير رسمية منذ العام الماضي، وهي تخطّت المهلة القانونية في 31 كانون الأول 2020، وخير دليل هو عدم القيام بأي إجراءات وإصلاحات لتحسين وضع البيارتة إن كان في صيانة أعمدة الإنارة وتزفيت الشوارع وتنظيف المجاري، فالعاصمة من بابها إلى محرابها لا تزال على حالها منذ وقوع إنفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020.

والجدير ذكره، أن الدوائر المختصة في بلدية بيروت لم تجرِ دراسة شاملة لمعرفة حجم الأعطال التي يجب إصلاحها، إن كان لجهة الإنارة أو الطرقات والمجاري، وعليه كيف يقوم المجلس بإقرار صرف 50 سلفة مالية بقيمة مليارين ونصف دون الإستناد على أرقام واضحة، وكيف لمحافظ بيروت أن يطلب صرف السلف دون أن يكون في جعبته رقم تقديري لكلفة إصلاح الأعطال؟

وفي جولة قامت بها «اللواء» في شوارع العاصمة، تبيّن أن عاملين يقومان بفتح الريغارات وتنظيفها بأيديهم دون معدات وآليات، ما يطرح تساؤلاً عن الحاجة لصرف مبلغ 550 لتفادي طوفان الطرقات عند هطول الأمطار، لكن إذا كانت عمليات التصليح تتم بالطريقة المذكورة سابقاً، فعلى طرقات بيروت السلام.

في سياق آخر، تلفت الأوساط إلى أن عدة لقاءات يعقدها عبود مع الفاعليات البيروتية وهذا أمر طبيعي، لكن ما ليس منطقياً هو أن عبود يشتكي سوء الأوضاع للبيارتة بدل أن يشكوا هم تردّي أحوالهم وتقاعس بلدية بيروت عن تقديم الخدمات الضرورية لهم، معتبرة أنه لا يمكن التذرّع دائماً بإنهيار الوضع في لبنان وحصول كارثة إنفجار مرفأ بيروت، لأن الكوارث تقع في كل دول العالم، ولكن سوء الإدارة هو ما يبقي نتائج الكارثة قائمة بعد أكثر من سنة على وقوعها.

صحيح أن قيمة الأموال التي تملكها بلدية بيروت والمودعة في مصرف لبنان تراجعت بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار، لكن هذه الأموال لا تزال موجودة وليس هناك ما يمنع من استعمال هذه الأموال في الأمور الضرورية والطارئة، وإن قول المحافظ عبود أن بلدية بيروت غير قادرة حتى الآن إلا على دفع معاشات الموظفين، واصفاً الوضع بـ «المأساوي»، يؤكد أن العاصمة ستبقى منكوبة إلى أجلٍ غير مسمّى، وعلى البيارتة البحث عن سلطة مركزية بديلة عن البلدية، تؤمّن لهم خدماتهم وتصلح طرقاتهم وتلملم نفاياتهم وتضيء لهم ظلمة ليلهم.

المصدر : اللواء