بأقلامهم >بأقلامهم
كمائن فتنوية والمسؤولية مزدوجة.. بقلم وفاء ناصر
يدفعون المؤيدين للنزول إلى الشارع، يعرضونهم للخطر، وفي النهاية يغنمون وحدهم سياسيا.
استنكار، شجب، تحميل مسؤولية، إشادة بجهود القوى الأمنية، المطالبة بالعدالة وكشف المجرمين... عبارات باهتة وبيانات بالية سئمنا من تكرار سماعها حتى وصل بنا الأمر إلى التسليم بمسؤولية الطابور الخامس الذي يدفع بالبلد إلى المجهول. ولكن من يتحمل المسؤولية فعلا: أمَن دفع بالمتظاهرين إلى الشارع أم مَن اقتنص الفرصة واعتبرهم فريسة سهلة؟
في ظل المؤامرات التي تحاك بالجملة بهدف تدمير لبنان للسيطرة على موارده النفطية والمائية من جهة وللتخلص من الركن الثالث للمعادلة الذهبية من جهة ثانية، وفي ظل استمرار العمليات المخابراتية الاجنبية بتوتير الاجواء المهتزة اصلا والتي تستشرس في موضوع إشعال الفتنة الطائفية واستحضار مشاهد الحرب الأهلية كلما سنحت الفرصة معتمدة على أدواتها الداخلية، يصبح واجبا أخلاقيا ووطنيا تطبيق مقولة "ابعُد عن الشر وغنيلو".
والملفت ان هذه العبارة كانت متداولة كثيرا وإنما بقالب سياسي يغلب عليه الطابع الديني.
صبر حمَلَة شعار الصبر والبصيرة كثيرا وكظموا غيظهم وغيظ مناصريهم وحلفائهم حين كان لا بد من معالجة الأمور السياسية والتوترات الأمنية الداخلية ببطش وقوة مغلفين بالوعي والحكمة.
صبروا بذريعة عدم الانجرار الى الفتنة وحرصا على السلم الأهلي حتى تمادى الطرف الذي أراد إشعال الساحة اللبنانية خدمة لإملاءات الخارج ووصل به الأمر إلى أن "يستوطي حيطهم". وفعلا باتوا شماعة جاذبة للمشاكل تتلقى الصفعة وتدير الخد الآخر لتلقي الثانية برحابة صدر.
غير أنّ رحابة الصدر الاعلامية لطالما تحوّلت استثمارا مربحا في الغرف السوداء. ففي لعبة الشارع تعم الفوضى الميدانية، يقتل الأبرياء من المشجعين وعابري السبيل، ويسجّل الزعيم او الحزب نقطة سياسية تضاف إلى سجله. فدماء الأبرياء التي تهدر دون وجه حق تستثمر لاحقا صفقة هنا أو تسوية هناك ... ونادرا ما يطفح الكيل فتبسط القوة سلطتها آنيا وجزئيا لشد العصب.
اليوم ووقوفا على تبعات أداء القاضي بيطار في قضية انفجار المرفأ المروعة وخوفا من أن تكر سبحة التوقيفات ومذكرات الجلب العشوائية والاستنسابية التي يمتعض منها البعض وتجنبا للاستغلال السياسي المرصود المصدر والهدف، تم تنظيم تظاهرة سلمية سبقها تصويب سياسي مباشر واعتراضات قانونية.
لا أجزم ان كان الثنائي يعلم بنوايا "الطابور الخامس" الممتهن القتل والإجرام ولكنه حتما كوّن فكرة جليّة عنه على مر السنوات في الماضي القريب والبعيد. فكيف للثنائي او أقله حامل مشعل الصبر والبصيرة ان يخطو خطوة ناقصة وان لا يحلل خطاب رئيس القوات اللبنانية الذي سبق الكمين وهو لا ينفك يدفع أثمانا باهظة؟!
وإن كان مشروعا له كما لكل الأحزاب السياسية السلطوية السعي وراء مكسب سياسي داخلي من خلال رفع السقف، كيف ألا نعاتبه على تقصيره في فهم العبارات المبطنة وهم أشد الناس معرفة بنواياه الجرمية وأفعاله العنفية إضافة الى كرهه الشديد للمقاومة وسعيه باستمرار مع غيره لجرها إلى استخدام سلاحها في متاهات الداخل.
أضف إلى ذلك، أن الوضع العام لا يتحمّل هذا الكم من التوتر الأمني سيما ان الجيش الذي عادة ما يفدى به في هكذا مناسبات منهك بالكامل يعيش على مساعدات الخارج. وهنا يصبح مشروعا السؤال عن قدرة الحسم العسكري إن حدث وتفلتت الأمور من السيطرة وعن الجهة التي ستقوم بالحسم. وفي التفاصيل يكمن الخطر.
إذًا، استكمالا للمشهد الدرامي المأساوي الذي كنا بمعزل عن معايشته سيما ان مخزون ذاكرتنا يزخر بتفاصيله وروائحه النتنة منذ العام 75 ، يُرمى العبء كالعادة على الجيش الذي يجهد للقيام بواجبه نظرا للظروف المعيشية الصعبة.
ومن زاوية ثانية، يخسر المواطنون أعزاء لهم، يشردون، تتضرر منازلهم ومحلاتهم... غير انّ خساراتهم تتضاعف حين تتحوّل وعود المسؤولين بالتعويض عن الأضرار التي لحقت بهم إلى شعارات تتلاشى مع مرور الزمن وحين تصبح العدالة وجهة نظر ويتحول القضاء إلى خبر كان.
أما المسؤول المعلوم كامل الاوصاف فهو كالعادة مجهول.