بأقلامهم >بأقلامهم
القاضي والخطر، وجهان لعملة واحدة!
جنوبيات
قد يثير هذا العنوان بعض البلبلة لكن إذا تعمّقنا في الوجه الحقيقيّ للقاضي العامل أو المتقاعد لتلمّسنا حقيقة الخطر الداهم الذي إن لم نتداركه فلن تُجدي كلمة (لو)،"ولات ساعة مندم".
الوضع كارثيّ جدًّا، ولا زال البعض يتنطّح في الصباح والمساء بأسطوانة جوفاء مطلقًا صوته ليصل إلى عنان السماء قائلًا: أين القضاء؟
سأجيبك أيّها الشاكي وما بك داء، القضاء على شفا جُرف هار، إن لم نستلحقه أو نستدركه فلن تفيد كلّ الصرخات المرسلة في صدى وادي الذئاب، حيث الحرمان يأخذ حتّى سرير الأمان إلى مكان واعر تقف عنده قدرات القاضي الفكريّة والجسديّة عاجزة عن الاستمرار في هذا المدار المضني والمنهك لقواه حتّى الصمت المطبق.
تصوّروا أيّها السادة أنّ رواتب القضاة في الدرجات العُليا لا تلامس الأربعمائة دولار، أمّا الرواتب في الدرجات الدنيا فإنّها لا تصل إلى المئتين، والمطلوب منهم السهر ليلًا والقيام نهارًا للقضاء بين الناس على ضوء شمعة إن وُجدت، أو اشتراك الكهرباء إن توفّر. وما ينطبق على القاضي العامل في حياته اليوميّة ينطبق على المتقاعد الذي أفنى شبابه في خدمة العدالة ليتقاعد على أبواب الموت المحتّم القادم مع دياجير الظلم والظلمات.
أيّها السادة، صندوق تعاضد القضاة في خطر محدق ولا تمويل يُذكر، ولا تزال موارده "مفروضة على الدولار الرسميّ"، وبدأت تتآكل مع الارتفاع المتزايد لسعره. وإن لم ننتبه جيّدًا للمخاطر المحدقة فلن ينفع بعدها الويل والثبور.
قد يقول البعض إنّ الوضع كارثيّ على الجميع بدون استثناء. أجيب صحيح، ولكن من سيفصل في قضايا الناس والجرائم التي ترتكب بحقّ الإنسانيّة؟ أليس القضاء هو الفيصل والحكم؟ فإذا سقط هيكل العدالة سيسقط الجميع في وادٍ سحيق، ولا أحد سيفيق عندها من غيبوبة القهر والحرمان.
إنّها صرخة من قاضٍ عانى خدمةً للقضاء العادل، فهل من يجيب؟ لنتجنّب النحيب الآتي من خوف المستقبل القريب المنذر بخراب لا يبقي ولا يذر.
وهل من يستمع إلى نداء العدالة، فيلبّي النداء قبيل وقوع المحظور في المدى المنظور؟
العدل أساس الملك، والحفاظ على رجال العدالة الضمانة الأساسيّة للنهوض بدولة القانون.