بأقلامهم >بأقلامهم
أنّى للفقير ان يعيش وسعر الرغيف يطير؟ بقلم وفاء ناصر
أنّى للفقير ان يعيش وسعر الرغيف يطير؟ بقلم وفاء ناصر ‎السبت 23 10 2021 20:54 وفاء ناصر
أنّى للفقير ان يعيش وسعر الرغيف يطير؟ بقلم وفاء ناصر

جنوبيات

رغم مرور قرون عديدة على دعوة ملكة فرنسا ماري انطوانيت الفقراء لتناول الكعك بدلا عنه، لا يزال رغيف الخبز مهما تعددت أشكاله أساس المائدة أقله لدى الطبقتين المتوسطة والفقيرة. فلا طعام يقوِّتهم ان لم يرافقه خبز، هذا إن كان ثمة طعام يؤكل.

ربما هي ثقافة اعتدنا على توارثها منذ أجيال مضت.
فأجدادنا  الكادحون لم يستغنوا يوما عن قرص الشمس الغني بالنشويات الذي طالما سَنَد أجسادهم الصلبة أثناء مزاولة أعمالهم، كونهم كانوا يمارسون اعمالا متعبة شاقة تتطلب مجهودا مضاعفا نسبة لنمط معيشتهم. وحتى وجباتهم التي كانوا يتناولونها في المنزل مع العائلة لم تكن تكتمل الا بما يملأ أمعاءهم الخاوية، سواء أكان مصنوعا من القمح، الشعير او الشوفان ومخبوزا على الصاج، في التنور او في الطابونة... بغض النظر عن كمية الطعام الموجودة. فالخبز المصنوع منزليا كان اوفر من شراء مواد غذائية لم تكن متوفرة كما الآن وتناول رغيف الخبز مع حبة زيتون من الأرض الخيرة كفيلا بأن يمد الجسم بالنشويات والبروتينات.   

صحيح ان تقاسمه أثناء العمل او داخل المنزل كان يترك أثرا لطيفا يدل على اخلاق عالية لكنه ابدا لم يخرج من دائرة ارتباطه بالفقر، ولعل افضل عبارة وأكثرها تداولا حتى الآن عبارة "منعيش عالخبز والزيتون".

ولكن كيف لمن رضي بهذا الواقع منذ سنين سيما في السنتين الأخيرتين ان يستمر علما ان ربطة الخبز الهشة والمتقلصة باستمرار لم تعد تسد الجوع؟ وبدل الربطة الواحدة التي كانت تتألف من 12 رغيفا باتت الأسرة الصغيرة تحتاج إلى ربطتين في اليوم ان لم نقل ثلاثة. 
وما بالك حين نتكلم عن اولاد يتلذذون بالعروس (الساندويش) ويعتبرونها تحلية بين الوجبات الأساسية؟!

مما لا شك فيه أن الأزمة اللبنانية المتشعبة غيرت من نمط معيشة اللبنانيين حتى أمسوا غرباء في وطنهم. ماتت الحياة فيهم وهم يحملون همومها فوق ظهورهم. حتى تلك العبارة اللبنانية "مناكل اي شي بس ما حدا يدرى فينا" لم تعد صالحة في هذا الزمن المغبر؛ فالخوابي فارغة والمونة قد تكون مفقودة حتى بعض القصور الفارهة تئن خزائنها من شدة الغلاء بعدما ضاعت أموال أصحابها في أقبية المصارف.

ماري انطوانيت، ملكة فرنسا النمساوية الاصل، ظنت ان قصرها وثيابها الانيقة ومجوهراتها ستشفع لها أمام غضب الثوار الجياع لكن نهايتها كانت دموية تحت مقصلة الإعدام. في القرن الثامن عشر هب الثوار على واقعهم المزري وكانت الثورة الفرنسية التي قلبت كيان فرنسا، أما نحن ورغم افتخارنا بأمنا الفرنسية الا اننا لم نتعظ من تجربتها. لم نعد قادرين على شراء الكعك ولا الخبز حتى الكرواسون والمعجنات باتت رفاهية غير ضرورية. واذا ما عدنا الى كون رغيف الخبز اساس المائدة اللبنانية يبدو اننا سنشهد تبدلا يطال هذا الصنف فإذا استمر سعر الربطة في الارتفاع حتما سيخرج الرغيف من ثقافة الأكل اللبناني.
فهل تنطلق ثورة الجياع ام ان متغير الجوع أحد أعمدة السياسة لا ينطلق إلى الشارع الا بأمر الزعيم؟ ويبقى السؤال: أنّى للفقير ان يعيش وسعر الرغيف يطير؟

المصدر : جنوبيات