لبنانيات >أخبار لبنانية
الأزمة مع الخليج لن تتعمق..هذا ما تريده السعودية!
الأزمة مع الخليج لن تتعمق..هذا ما تريده السعودية! ‎الأحد 31 10 2021 18:29
الأزمة مع الخليج لن تتعمق..هذا ما تريده السعودية!

جنوبيات

مُخطئ من يعتقدُ أن انسلاخ لبنان عن محيطه العربي بمثابة الأمر السهل ويمكن اللجوء إليه، إذ أن لهذا الاتجاه خطورة كبيرة وآثاره تهدّد هوية المنطقة ومستقبلها ككُل. ومع ذلك، فإن هناك من ينادي بالابتعاد عن المملكة العربية السعودية، باعتبار أن الأخيرة لم تكن قريبة من لبنان خلال السنوات الأخيرة. وعلى أساس هذه القاعدة، تقول بعض الأطراف إن اللجوء إلى محورٍ جديد هو الخيار الأنسب، لكن الحقيقة تؤكد أن اختيار هذا الطريق يعني الانفجار الحتمي.

ففي حال خسارة لبنان للعالم العربي، فإن القدرة على إيجاد البديل أمرٌ مستحيل ولا يتحقق أبداً. وعليه، فإن المطلوب اليوم مُقاربة جديدة لما يحصل، والتوجّه يجب أن يكونَ لحفظِ لبنان وحماية اللبنانيين ومصالحهم في دول الخليج العربي.
 
وإنطلاقاً من الحرص على هوية لبنان العربيّة، يتحرّك رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لـ"رأب الصدع" الذي حصل مؤخراً بين لبنان والسعودية وسائر دول مجلس التعاون الخليجي. وفي حين أنّ تطوّر الأمور قد يقود لبنان نحو انهيارٍ أكبر، إلا أن المساعي الحثيثة تهدُف إلى لجمِ أي تطوّر من هذا النوع. وانطلاقاً من هذا الأمر، كثف ميقاتي اتصالاته خلال الساعات الماضية، وسيعقد اجتماعات عدة على هامش "قمة المناخ " منها مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون

وعن هذا اللقاء، تقول المصادر السياسية إن "ماكرون قد يلعب دوراً جديداً في حل الأزمة نظراً لعلاقته الوطيدة مع وليّ العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان"، موضحة أنّ "الأبواب لدى السعودية غير مُقفلة ويمكن لحراك ماكرون أن يُحدث تقدماً وخرقاً في جدار الأزمة المستجدة".
 
 
ماذا يريدُ الخليج والسعودية من لبنان؟
 
خلال اليومين الماضيين، برزت الكثير من الآراء والمواقف التي تعتبر أن الخطوات الخليجية تجاه لبنان، هي تمهيدٌ لضربِه وإضعافه أكثر. ومن دون أدنى شك، فإن هذا الكلام يندرجُ في إطار "المواجهة المُفلسة"، والنظرية القائلة بأن الخليج يطلب تداعي لبنان ساقطة لا محالَ. وتأكيداً على ذلك، فإنّ حديث وزير خارجية المملكة الأمير فيصل بن فرحان عن أن "السعودية ستدعم أي جهود لإصلاح شامل يعيد لبنان إلى العالم العربي"، وتأكيده على أن "ليس للمملكة رأي في بقاء الحكومة أو رحيلها"، كلها إشارات تشيرُ إلى حلحلة ولكن ليس في الوقت الراهن.
 
وحتماً، فإن المملكة تعي تماماً حساسية الوضع في الداخل اللبناني، كما أنها تدرك آثار الانهيار الاقتصادي الذي يعيشه المواطنون، وتعلم أيضاً خطورة انزلاق لبنان نحو اقتتال مذهبي. والأهم، فإن السعودية تعرف أن استقالة الحكومة تعني انفجاراً للوضع وعرقلة كل الجهود لوقف الانهيار. وفي هذا الإطار، تقول مصادر سياسية إنّ "السعودية لا تضع سيناريو انهيار لبنان أمامها، لأنّها تعتبر الخراب في لبنان هو خرابٌ على صعيد العالم العربي ككل، وآثاره عقيمة وخطيرة".

 وعلى مدى الساعات الـ36 الماضية، كان البعض يخشى أن تطال الإجراءات الخليجية الأُسر اللبنانية هناك، لكن هذا الأمر لن يحصل أبداً. فالسعودية تدرِكُ تماماً أن تحويلات المغتربين تشكل عصب الحياة في لبنان خلال هذه المرحلة، وأن أي مسّ بهذا العنصر الاقتصادي يعني تهالكاً للبنان.

وقال الخبير المالي والاقتصادي محمد الشامي إنّه "لا يمكن التقليل من قيمة دور السعودية ودول الخليج في الاقتصاد اللبناني"، مشيراً إلى أن "لبنان يحصل سنوياً على إيرادات مالية من دول الخليج تقدر بأكثر من 2 مليار دولار، وذلك عبر الصادرات المختلفة"

ومع هذا، فقد لفت الشامي إلى أن "أموال المغتربين اللبنانيين في دول الخليج تتراوح بين 1.8 مليار و 2 مليار دولار".
 
وإنطلاقاً من هذه القاعدة، فإن المساعي السعودية اليوم تتحدد في تحصين اللبنانيين أولاً ومعالجة التداعيات الاقتصادية عليهم ثانياً من خلال قنوات عديدة ومختلفة، وقد برز ذلك في دعم المملكة للجهود العربية الحثيثة الأخيرة لمد لبنان بالطاقة.

وفي مراجعة سريعة لبيان وزارة الخارجية السعودية الأخير بشأن لبنان، والذي تم الإعلان فيه عن وقف الواردات اللبنانية إلى المملكة، فإن الأمرَ لا يعني عدم استئناف تلك الوارادت من جديد في حال تم تسوية الملف المرتبط بضمان عدم تهريب المخدرات من لبنان إلى السعودية. وبشكل أوضح، فإن المملكة تطالب لبنان بخطوات أمنية تضمن ذلك، ويبدو أن التقصير ومكامن الخلل ما زالت موجودة في بيروت، والتحرّك يجب أن يكون أكبر للتعاون مع المملكة في مكافحة الجريمة.

أما على الصعيد السياسي، فإنه يتضح من خلال مراجعة المواقف السعودية والخليجية الأخيرة، أن المواقف محصورة في إطار معين. فدول الخليج لا مشكلة لها مع لبنان، ولا تريدُ معاقبة اللبنانيين في الدول العربية، وقد جرى التأكيد على ذلك مراراً وتكراراً. وعليه، فإن الموقف هذا وحده يؤكّد أن المعركة ليست ضد الشعب اللبناني مهما كانت انتماءاته، بل هي ضد مكوّن سياسي في لبنان تعتبر المملكة أنه يشكل خطراً أمنياً عليها، ويتمثل بـ"حزب الله".
 
وهنا، يتحدّد رهان المملكة دائماً في ابتعاد لبنان عن الجبهات الإقليمية، وكل ما يساهم في ضرب السعودية على لبنان أن ينأى بنفسه عنه، وهذا الأمرُ مطلب شريحة واسعة من اللبنانيين. ولهذا، فإن المشكلة يجب أن تُحل إقليمياً، في حين أنّ الموقف العربي الأخير من قبل جامعة الدول العربية كان معتدلاً لدرجة كبيرة، وقد راهن على مساعي رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي لاتخاذ إجراءات توقف تدهور العلاقات مع الخليج.
 
وفي هذا السياق، لا يمكن أبداً اغفال الموقف الأميركي الذي صدر عن المتحدث باسم الخارجية الأميركية يوم أمس، والذي أكد أن الولايات المتحدة تحثّ الدول العربية وخاصة السعودية والإمارات والدول في المنطقة على التواصل مع الحكومة اللبنانية.
 
وفي المحصلة، فإنّ دول الخليج تعترف بكيان الدولة اللبنانية ومؤسساتها، والتواصل ما زال قائماً عبرها، ويمكن أن تكون هذه المشكلة الدبلوماسية القائمة باباً لحلحلة مقبلة، كما أنه قد تكون هناك زيارات لبنانية رفيعة المستوى إلى دول الخليج لإعادة نسج العلاقات من جديد واستئناف العلاقات بعد الفتور القائم.

المصدر : لبنان 24