بأقلامهم >بأقلامهم
بالنظام - الخمير الجيّد
جنوبيات
تخبط غير مسبوق يشهده #قصر العدل وظواهر غير معهودة على هامش ملف التحقيق في تفجير المرفأ، وقد سجل هذا الملف أرقاماً قياسية على صعيد المراجعات وطلبات الردّ و"الدفوع الشكلية" وطلبات "نقل الدعوى للارتياب المشروع" و"مداعاة الدولة عن أعمال القضاة العدليين" ودعاوى "تعيين المرجع". وفي خضم هذه المعركة بدا الجسم القضائي الخاسر الأكبر بالنظر إلى الانقسام الذي أصبح ظاهراً بين مواقع القرار في قصر العدل. لكن الخمير الجيد لا يزال موجوداً في العديد من المواقع القضائية.
قرار بارز صدر اخيراً عن الهيئة الاتهامية في بيروت برئاسة القاضي ماهر شعيتو وعضوية المستشارين جوزف بو سليمان وبلال بدر، بشأن استئناف قرارات المحقق العدلي، والتي كانت تعتبر من دون استثناء غير قابلة للاستئناف.
(عملاً بالمادة 362 من قانون أصول المحاكمات الجزائية: للمحقق العدلي ان يصدر جميع المذكرات التي يقتضيها التحقيق دون طلب من النيابة العامة. إن قراراته في هذا الخصوص لا تقبل اي طريق من طرق المراجعة).
اعتبرت الهيئة أن عدم قابلية قرارات المحقق العدلي لأي من طرق المراجعة إنما ينحصر بنوع واحد من القرارات وهو "المذكرات" التي يصدرها، ولا يشمل بالتالي هذا المنع القرارات الأخرى كقرارات رفض تخلية السبيل، وذلك لأن المحقق العدلي يطبق "الاصول المتبعة امام قاضي التحقيق" (المادة 363) ولأن الهيئة الاتهامية "هي المرجع الاستئنافي الصالح للنظر في الطعن الذي يوجه ضد قرارات قاضي التحقيق". (المادة 135).
لكن الهيئة وبعد أن أقرت هذه القاعدة، قررت بالنهاية ردّ الاستئناف شكلاً تبعاً لعدم وجود نص يولي الهيئة الاتهامية في بيروت الاختصاص المكاني الذي يوليها النظر في قرارات المحقق العدلي. لأن اختصاص المحقق العدلي المكاني لا يقتصر على محافظة بيروت بل يشمل جميع الأراضي اللبنانية ونكون عندها أمام حالة يكمن فيها اعتبار جميع الهيئات الاتهامية في لبنان مختصة للنظر في قرارات المحقق العدلي لا سيما مع وجود مدعى عليهم من مناطق عدة. وهذه المسألة يمكن أن تحسمها محكمة التمييز إذا ما جرى تمييز القرار أمامها طبعاً كما يمكنها ألا تأخذ بالتوجه نفسه للاتهامية بشأن مبدأ الاستئناف.
في القانون طبّق القرار القواعد الأساسية في تفسير النصوص القانونية وهي:
- طرق الطعن لا يمكن استبعادها إلا بموجب نص صريح.
- الاستثناء من القاعدة يُفسّر ويطبق تطبيقاً ضيقاً ولا يجوز التوسع فيه.
كما أظهر هذا القرار موضوعية الهيئة الاتهامية في بيروت وعدم وقوعها في التجاذب الحاصل في ملف التحقيق وحوله ولم تتحول الهيئة إلى أداة لتغليب مسار على آخر بل قامت ببحث مسألة الاختصاص النوعي ومن ثم المكاني بحثاً قانونياً مقداماً، واتخذت قراراتها بتجرّد رغم أنه كان يمكنها أن تنطلق من هذا الخرق الذي سجلته في الاجتهاد للوصول إلى وضع اليد على كامل ملف التحقيق وأن تدخل تالياً في مدار صراع المحاور الذي يشهده قصر العدل.
قد يكون لكثيرين مآخذ على القضاء في لبنان وفي أي بلد في العالم وقد ترتكب المحاكم أخطاء تنطوي على ظلم كبير أحياناً، ولكن وجود القضاء وهيبته يبقى حجر أساس في الدولة، أية دولة، وعنصر اطمئنان إلى مستقبل نطمح لأن يكون أفضل.
عدالة البشر تشبه تكوينهم، وهي إذاً غير كاملة وإن كان يفترض بها أن تتوق للكمال. وهذا يبقى توقاً لدى البشر الواعين حقيقة هذا الوجود وهو لا يتحقق إلا لاحقاً أما الآن فلنا أن نتذوقه وحسب.