عام >عام
عين الحلوة هو بقعة حياة كباقي البقاع في الأرض
عين الحلوة هو بقعة حياة كباقي البقاع في الأرض ‎الثلاثاء 30 08 2016 12:00
عين الحلوة هو بقعة حياة كباقي البقاع في الأرض

محمد حسون

لا يسمح مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في لبنان أن تصوروه ككوكب ليس على اتصال مع الكرة الأرضية وإظهاره على أنه عالم آخر مليء بالغموض والمفاجآت.
فبعد النكبة الفلسطينية التي ألمت بالشعب الفلسطيني المضطهد، تعرض هذا الشعب ولا يزال يتعرض لمؤامرات من القريب والبعيد، وهو الذي هجر عن وطنه قسرا، ولا يزال يحلم بعودته، رغم القهر والحرمان الذي يعيشه مؤقتا.
رغم ما يتعرض له هذا الشعب  من تهجير قسري عن أرضه ووطنه، إلا أنه لا يزال في قلبه نبض واستحالة أن يتوقف لأن الحق لا يموت إلا بموت صاحبه ، واستحالة موت هذا الشعب لأن أرحامه لا تزال تحمل وتضع إلى أن يأخذ حقه بيده بالقوة كما خرج من أرضه بالقوة.
فمخيم عين الحلوة هو ليس " بعبعا"  يطل من سرادبه بحسب أهواء ومزاج المتربصين به، لينقض على فرائسه كوحش كاسر ويفتك بكل ما هو حوله دون وعي أو إدراك.
 فالشعب الفلسطيني هو من أكثر الشعوب في العالم تعلما" وكفاءة وقدرة وصبرا" وتحملا" وحلما" وبسالة وشجاعة رغم أنه هو حالة مؤقتة في شتاته تسعى دوما" إلى عيش كريم رغيد حميد يكسوها كرامة وعزة" بعيدة عن الحسابات والمعادلات الدولية والإقليمية والمحلية التي يدخلونه عنوة فيها رغما عنه، ورغم كل النكبات التي يتعرض لها لا يزالون يصرون على القضاء عليه وعلى حلمه الذي لم ولن يستطيعوا توقيفه.
فمن لم يدخل مخيم عين الحلوة الذي يقارب تعداد سكانه ال120 ألف نسمة والذي زاد إلى هذا العدد التقريبي بعد نزوح الفلسطينيين من مخيمان سوريا نتيجة الحرب ويتجول في شوارعه التي تملأ حياة المتجولين بهجة وأزقته التي تتكدسها المنازل الملاصقة أفقيا" وعاموديا" والتي تحاكي من خلف جدرانها قصصا مملوءة بالحب والمودة وحجم المعاناة التي يعيشها الناس،  وسوقه المميز الذي ترتفع فيه أصوات باعته لعرض بضاعتهم والتي يضفون عليها أنغاما وموسيقى ولعب تبعث الطمأنينة في نفوس زبائنه إن كانو من قاطني أو من زواره من خارج المخيم، أو يتكلم مع رجاله الذين يكافحون مرارة اللجوء في لبنان والمعاناة التي يتعرض لها الفلسطيني في حياته اليومية من تمييز وحرمان من حقه في مزاولة الكثير من المهن والعمل بها والذي أصبح يحاول تغيير حلمه بتعلمه مهنة أخرى يحق له مزاولتها بعيدا" عن العنصرية ، والذي يحلم بأن يكون كباقي الشعوب التي تتعرض للتهجير والتشريد نتيجة الحروب والصراعات والتي تلقى من يساعدها أو يضطر للسفر والهجرة هروبا من قيد يحطم أحلامه.
أو يتكلم مع نسائه الذين يعلمن أولادهن حب فلسطين وحب هذه القضية المقدسة  ويروين كيف يكافحن مرارة اللجوء والأوضاع الصعبة من أجل إنشاء جيل يستطيع بثقته بربه ومن ثم بنفسه أن يكمل حياته متحديا" كل الصعاب التي تدور وتعصف به يمينا ويسارا.
أو يتحدث مع أطفاله التي تنعكس من وجوههم براءتهم الطفولية التي تمنح الأمل والسعادة في نفوس ناظريها.
أو إذا أردت التحدث مع شيوخه المتقدمين في السن ، الذين خرجوا من رحم معاناة فلسطين ويروون لك حجم الأمل الذي ينبعث من تجاعيد وجههم التي يختبئ خلفها آلاف الحكايات عن فلسطين وشغف القلب الذي يعشقها والتي روينها لأبنائهم وأحفادهم وأولاد أحفادهم بعكس خطأ المقولة الشهيرة "الأباء يموتون والصغار ينسون" فهؤلاء هم أعمدة وبنيان المخيم وإذا أردت التحدث مع رجاله وعقلائه وحكمائه الذين هم سياج المخيم وأسواره العالية ، فبحكمتهم وحنكتهم ورجاحة عقلهم المخيم لا تهزه الزلازل ولا البراكين التي تعصف من حوله فهو كالجبال الرواسي.
فمن يريد أن يتكلم عن مخيم عين الحلوة يجب عليه المكوث فيه أو التحدث مع من ذكر آنفا" ليعرف كيف يتكلم عنه فالمخيم يرفض التهكم والتنبؤ عنه عن بعد.
فمن يسكن مخيم عين الحلوة هم ليسوا من كوكب زحل أو المريخ نزلوا من مركبة فضائية وحطت رحالهم على أرض هذه البقعة.
فالمخيم يحتوي على أكثر من 20 فصيل وتنظيم وحركة وجماعة وطنية وإسلامية وكلهم موجودون على مساحة كيلو متر مربع واحد بوجود سلاح وأفكار متنوعة تختلف من جهة إلى أخرى وبوجود أجهزة استخباراتية دولية وإقليمية فكيف بمتسائل يسأل لماذا يحصل في مخيم عين الحلوة ما. يحصل؟!.
فالمتابع لما يحصل في الولايات المتحدة الأمريكية وأميركا اللاتينية وأوروبا وشرقها وقارة أفريقيا ودول شرق آسيا يرى حجم جرائم اعداد القتل والسرقة والاغتصاب في اليوم الواحد ويرى القهر والاذلال والاضطهاد والرعب والعنصرية يحقر نفسه عند مقارنته لما يسمعه عن مخيم عين الحلوة.
فالمخيم ليس بقعة صغيرة موجودة على الهامش ، إنما هو موجود في الحسابات الدولية والإقليمية والذي أرادوا منه أن يكون فيها ملفا" يحرك مصير القضية الفلسطينية في الشتات ، إن كان من خلال افتعال أحداث أمنية متنقلة على جولات أو انعكاس مجريات الأحداث في سوريا وقبلها في العراق.
أو من خلال اللعب في ورقة الحقوق واللتين زادتا من الهجرة الغير شرعية وتفريغ الشتات من الوجود الفلسطيني ضمن خطة ممنهجة ومدبرة دوليا" ليكون لاعبها محلي من خلال صراعات نفوذ كانت بمثابة إحراق لأمل اللاجئ الفلسطيني.
فالمخيم لا ينكر أنه  يحتوي على أشخاص من هم مطلوبون للسلطات اللبنانية من كافة التنظيمات والفصائل الفلسطينية الوطنية والإسلامية والجماعات الموجودة .
ولكن هلا سلطنا الضوء لماذا أصبحوا مطلوبين للعدالة ؟
 هلا نظرنا إلى أوضاعهم المعيشية التي فرضت عليهم واقع صعب ومرير يضطرون من خلاله تأمين لقمة عيشهم حتى لو اضطر البعض لذلك على حساب حياته ؟
فبعد الهجمات التي شنت على المخيم مؤخرا" من خلال بعض وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمقروء والذي يسعى دائما إلى بناء حاجزا" بينه وبين الحقيقة التي هي واضحة أمامه كالشمس ويريد طمثها.
فالكثير من الأكاذيب والتلفيقات التي اخترعها كانت كزوبعة لا تتعدى حدود فنجان رغم المحاولات المتكررة بشكل وكم هائل من الهجومات إلا أنها باءت بالفشل بسبب التحصينات والدروع والأسلحة الدفاعية والواقية ، والتي كانت من خلال العقلاء والحكماء والإعلاميين ، الذي استطاعوا بفضل من الله تحقيق انتصار وإعطاء انطباع مختلف وتغيير الصورة النمطية المأخوذة عن المخيم وتغيير موازين اللعب من دور المدافع إلى المهاجم وتحقيق أهداف  كانت بالوقت الضائع من المباراة.
فأصبح واضحا" أن ما يحصل في المخيم من بوادر حسن نية هو كان  نتيجة نار اكتوى بلهيبها  الجميع وكانت على مدار أكثر من عقدين من الزمن .
فالملفات التي تطوى وتغلق بعد تسليم الكثيرين أنفسهم للسلطات اللبنانية بعد أن ذاق الكثير منهم مرارة الظلم والمعاناة وضيق الحال الاقتصادي وتردي الوضع المعيشي في المخيم.
فهذا هو مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في لبنان الذي يقع بالقرب في مدينة صيدا والذي يصور أنه كوكب دخيل سقط على سطح هذه الأرض.
فالسؤال المطروح لماذا لا يتم تسليط الضوء على القضايا الاجتماعية التي تهم الناس وتخفف من  معاناتهم قبل تسليط الضوء على النتائج والنكبات التي تطرأ على المخيم ؟
فالأولى أن تسلطوا الأضواء على الأسباب التي أوصلت بالمخيم إلى هنا ، وكيفية إيجاد حلول لرفع من المستوى الخدماتي والمعيشي نحو الأفضل الذي يساهم في التخلص من الكثير الأزمات التي يعاني منها الشعب الفلسطيني في الشتات.