بأقلامهم >بأقلامهم
"مذنبون" والذنب "نتيجة إيجابية"!
جنوبيات
وفي زمن الغرائب والعجائب, كل شيء متوقع الا أن يُعامَل المريض على أنه مرتكب لذنب فظيع وكأن أصبح المرض ذنبا برقبة حامله.
هو فيروس لعين يسيطر على العالم ويفتك به شيئاً فشيء, تنحسر موجة فتعاود موجة أخرى أكبر منها, تقل الأعداد بمتحور فيظهر متحور جديد...
كل هذا السوء الذي يحيط بالعالم ولكن ما زالت الاتهامات ونظرة المجتمع أكثر ألماً من عوارض الفيروس بحد ذاته. في لبنان, ومن اللحظة التي تحمل فيها نتيجتك "الإيجابية" عليك أن تهيّأ نفسك ليس لأن تحارب فيروساً متفاوت الأعراض بل أيضا لتواجه نظرة المجتمع وأحاديثه وتحميلك ذنباً لم ترتكبه!
وفي حديثٍ خاص لموقع "جنوبيات" يقول أحد مرضى كورونا:" منذ يومين تقريباً وأنا أعاني من بعض العوارض الخفيفة كسيلان الأنف وسعال خفيف... ففي بداية الأمر ظننته رشحاً ويمرّ ولكن في اليوم الثالث وبسبب تزايد الأعراض قررت اجراء فحص كورونا من أجل التأكد وفي الليلة عينها أتت نتيجتي إيجابية".
ويتابع: "بالحقيقة لم أُصدم بالنتيجة بقدر ما صدمت بردة فعل من حولي من أقارب وأصدقاء حتى انهالت عليَّ الأسئلة والتعليقات المسيئة التي وضعتني بمركز المذنب والذي يعمد لإيذاء من حوله". وعلى سبيل المثال, كنت منذ يومين تقريباً عند أصدقائي الذين دعوني للعشاء عندهم فلبّيت الدعوة وأنا غير متوقع أن أكون حامل المرض فحينها سهرنا وتسلينا وكانت الأمور كلها على ما يرام ولكن عندما أخبرتهم أمس بنتيجتي من أجل أخذ احتياطاتهم فاجأني الرد حينما بدأت أسئلتهم المؤذية والمحرجة ( طالما كنت تعرف أنه من الممكن أن تكون "مكورن" لماذا أتيت؟ هل تتعمد أن تنقل إلينا الفيروس؟ من أين التقطت العدوى؟ والأصعب كان نظراتهم المتبادلة ثم سؤالي عمّن دعاني للعشاء).
أصدقائي الذين خالطتهم ليسوا وحدهم من اتهموني بالأذية بل حتى أقربائي الذين لم أخالطهم وجهوا سهامهم عليَّ وبدأوا بتعليقاتهم المشكّكة بحبي وخوفي على أهلي، ومن عباراتهم: "طالما يعلم باصابته لماذا لم يحجر نفسه؟", "من المؤكد أنه لم يلتزم بالإجراءات", "ألا يعلم أن العوارض قد تؤثر سلبا على أهله؟", "ألا يعلم أن هناك من يموت جراء فيروس كورونا, فكيف استطاع أن يخاطر بحياة أهله؟"
ويضيف: " لكي أكون صريحاً معكم, هذه العبارات ليست عبارات سهلة على المسمع والقلب بل تؤلمني أكثر من كورونا نفسها لأنها تحمّلني ذنب أهلي وأصدقائي وكل الذين خالطتهم وتشعرني بتأنيب ضمير, بذنب ارتكبته عن غير قصد أو حتى لم أرتكبه"
وعن مصدر التقاطه الفيروس, يشدد أنه لا يعلم ممن التقط العدوى ويؤكد أنه ملتزم بكل الإجراءات بما فيها ارتداء الكمامة والتعقيم الدائم والتباعد الاجتماعي بقدر الإمكان".
هذه عينة من الاثار النفسية التي تولدها الأحكام الاجتماعية على مريض الكورونا وكأن مصابه لا يكفي وكأن المرض أصبح تهمة لمن لا تهم عليهم. ولكن ما يجب أن نسأله لمطلقي الأحكام هذه: لو عكسنا الحالة وكنتم أنتم من أصبتم بالمرض, ما هو موقفكم حينها؟ هل تُضعون بمرتبة حاملو الذنوب؟
في المقابل, لا بد من الإشارة الى أن هناك فعلا من ينتمي لفئة المستهترين بحيث يعتبر المرض "تحصيل حاصل".. ولا يلتزم بالإجراءات بل يستمر بالتصرف باستهتار وقلة مسؤولية ويتلاعب بأرواح الناس وكأنها ملكاً له.
أخيرًا, كورونا وباء عالمي يقتحم أجسامنا بلا اذن وينتشر بسرعة كبيرة ولكن من غير العدل أن ننفّذ حكماً بمرضى لا حكم عليهم. وليس من العدل أيضا أن نستهتر بأرواح الناس بسبب قلة وعي ومخالفة للإجراءات الواجب اتباعها.