بأقلامهم >بأقلامهم
بالنظام - في الاختصاص غير المانع
جنوبيات
منذ أيام ضربت موجات المد العالي أو التسونامي سواحل مملكة تونغا في المحيط الهادئ على إثر ثوران بركان هائل في إحدى جزر المملكة وتناقلت الوكالات صور الأقمار الاصطناعية للانفجار البركاني من دون أن يضطر الشعب التونغي لانتظار تحنّن الدول الكبرى مالكة الأقمار الاصطناعية عليه. وتبيّن أن تلك الأقمار تقوم بتصوير دائم لكل حركة على سطح الأرض وفي عرض المحيطات. وعندنا أجمعت الدول على أن كل أقمارها الاصطناعية لم تسجل لحظة تفجير #مرفأ بيروت في 4 آب 2020، وهذا بحدّ ذاته مدعاة للريبة لا بل اليقين بأن تلك الدول إنما أجمعت على إخفاء الحقيقة عن اللبنانيين.
منذ أيام أيضاً انتهت مقاطعة جلسات مجلس الوزراء بعد أن طال أمد التعطيل وتجاوز مداه سببه المعلن، كما أشرنا في "بالنظام" الأسبوع الماضي. وقد أصبح الكلام في مسار التحقيق العدلي ممكناً من دون أن يُدرج في باب تأييد فريق على آخر.
للمحقق العدلي أن يعتمد الاستراتيجية التي يراها للوصول إلى الحقيقة. لكن التساؤلات ستستمر حتى صدور قرار الاتهام وتلاوته في جلسة علنية للمجلس العدلي نرجو أن تكون قريبة. ويعود له استدعاء من يرى استماعه ضرورياً والبناء على المعطيات التي يتوصل إليها ليقرر استدعاء سواه. لكن هذا يُبقي السؤال مشروعاً عن اختيار أشخاص معينين دون غيرهم ممن تولوا المناصب نفسها وعلموا بوجود المواد المتفجرة وخطرها.
في الأشهر الماضية جرى التركيز على محاور معينة وأشخاص معينين وأصبح لدى الناس وأهل الضحايا انطباع بأن المتمنّعين عن المثول أمام المحقق مجرمون دون غيرهم، والمسؤولون الآخرون الذين لم يتم استدعاؤهم بقيوا خارج دائرة الاتهام. يظن الناس أن ثلاثة أو أربعة من المسؤولين ارتكبوا إهمالاً أدى إلى الانفجار، وقد ساهم هؤلاء في تكوين هذا الانطباع بامتناعهم عن المثول أمام المحقق وتعطيل أعماله بشتى أنواع الدعاوى والدفوع التي من شأنها وقف سير التحقيق.
#المحقق العدلي لم يستمع إلى الرئيس رغم استعداده لذلك. الرئيس لا يملك سلطة تنفيذية بل يملك أن يحيل إلى المعنيين وهذا ما قام به، ولكن كيف يستمر التحقيق ويستقيم دون السؤال عن هوية المسؤولين المعنيين الذين أبلغهم الرئيس تقرير أمن الدولة الشهير ولم يقوموا بأي شيء لمنع وقوع الكارثة؟
طبعاً لن يتمكن المحقق العدلي من تبديد الغبار المحيط بالتحقيق إلا إذا تمكن من متابعة عمله. والجهات التي تشكو من أدائه هي من يحول دون ذلك من خلال مواصلة تقديم الدعاوى والطلبات والدفوع التي ترفع يده عن الملف. وفي هذا الإطار ليس صحيحاً أن دعوى المخاصمة المقامة أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز من شانها رفع يد المحقق عن الملف كما أُشيع في الإعلام لأن القانون يمنع على القاضي أن يقوم بأي عمل من أعمال وظيفته يتعلق حصراً بالمدعي أي بالشخص الذي تقدم بدعوى المخاصمة (المادة 751 أصول محاكمات مدنية) وبالتالي يستمر التحقيق بشأن الآخرين.
أما بالنسبة للمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء وصلاحية #مجلس النواب لاتهامهم بالإخلال بالواجبات المترتبة عليهم كما تنص المادة 70 من الدستور، فإن دستورنا في العام 1926 أُخِذ عن دستور الجمهورية الثالثة في فرنسا للعام 1875. والمسؤولية السياسية أقرّت في حينه وأُعطيت شكلاً جزائياً لأنه كان يصعب على القضاء العادي أن يحاكم كبار المسؤولين، ولهذا فإن اختصاص المجلس الأعلى ليس اختصاصاً مانعاً إنما هو تكميلي، كما يؤكد العلامة Maurice Hauriou في العام 1929. أي أن الإمكانية المتاحة لمجلس النواب بالاتهام وللمجلس الأعلى بالمحاكمة عند توفر حالة الإخلال بالواجبات الوزارية والتي يجوز اتباعها متى شاء المجلس، ليس من شأنها أن تمنع التحقيق العدلي من الاستمرار.