ثقافة وفن ومنوعات >ثقافة وفن ومنوعات
وسيلة قتل من نوع آخر!
جنوبيات
يعرف التنمر بأنه أحد أشكال العنف الذي يمارسه شخص أو مجموعة من الأشخاص ضد شخص معين بهدف الإساءة أو الإيذاء ويتخذ عدة أشكال وخصوصاً الشكل اللفظي بشكل مباشر أو غير مباشر.
أسباب التنمر كثيرة وقد تكون بسبب ضعف شخصية فيعمد المتنمرون لهذا الأسلوب للإثبات أن شخصيتهم قوية أو حتى يكون بسبب الظروف السيئة المحيطة فيتم التعبير عنها بإيذاء الآخر إضافة إلى أسباب أخرى.
قد يكون هذا التنمر بشكل مباشر أي توجيه عبارات السخرية الشديدة بوجه الشخص أو حتى عبر مواقع التواصل الاجتماعي من خلال تعليقات تسيء إلى أصحاب المنشورات من خلال حساب حقيقي أو حتى وهمي!
وفي هذا الاطار، تخبر إحدى الأمهات عن ابنتها الضحية التي قتلت نفسها بسبب ما تعرضت له من تنمر شديد بسبب وزنها الزائد.
تقول الأم: "كانت ابنتي سمينة وهي في عمر المراهقة ولكن سمنتها هذه جعلتها فريسة لزملائها في المدرسة بحيث تعود كل يوم وهي في حالة من الإحباط، تدخل غرفتها فوراً وتبدأ بالبكاء ثم تخرج وتبدأ بالأكل بشكل هستيري".
وعندما أقول لها: "لا تأكلي بهذا الشكل، انتبهي على وزنك كي لا تسمحي لهم بالتنمر". كانت تصمت ولكن تنظر إليَّ بنظرات غاضبة وكأنها تريد أن تلومني بهذه النظرات وتدعوني للتوقف عن الكلام ثم تنهي أكلها وتعود لتلازم فراشها حتى منتصف الليل ثم تستيقظ وتعود إلى البراد لتأكل بكثرة فيأتي أبيها ويقول لها: " كلي بتوازن".
بقيت ابنتي على هذا الحال لأشهر، لا تعاتبني على ما أقول أو ما يقوله لها زملائها، ولكن ذات يوم أرادت ان تقول كل شيء دفعة واحدة وتوجه لنا الصفعة الأقوى.
وفي ذلك الصباح، دخلت غرفتها لأوقظها كي تذهب الى المدرسة ولكنها لم تستيقظ! فنظرت اليها وكانت نائمة بلا دقات قلب ولا نفس. فوجدت الى جانبها أداتين للجريمة التي ارتكبتها بحق نفسها أو ربما نحن من ارتكبنا تلك الجريمة. وجدت علبتين من الدواء فارغتين ورسالة.
وكان مضمون الرسالة كالتالي: "الى العالم، أنتم لم ترحمونني ولكني رحمتكم، رحمتكم من رؤية جسمي السمين الذي يشبه "البقرة" كما تصفوه، رحمتكم من رؤية منظري المؤذي للعين، رحمتكم من انهاء كل الطعام في السوق كما كنتم تقولون، رحمتكم من كسر مقعدي الدراسي الذي لا يتحمل هذا الوزن الثقيل، رحمتكم مني..."
وتضيف: "إلى والديَّ، لا تعتقدا أنكما لا تنتميان لهذه الفئة، بل أنتما منهم، أردت منكم أن تسنداني وتعلماني أن أحب نفسي كما أنا وتفتخرا بي أمامهم لا أن تدعونني لانقاص وزني كي لا أكون موضع التنمر بل هم من كان عليهم ألا يتنمروا، لا تنسوا نظراتكما أمام الناس والتي تشعرني أنني ثقلاً عليكما. أنتما شاركتما بقتلي كما شارك الجميع. فليكن عقابي لكما هكذا ولا أعلم ان كان سيكون عقاباً أو رحمة!"
وتؤكد الأم: "أريد من خلال موقع "جنوبيات" أن أقول لكل من يقرأ كلامي، لا تجعلوا قصة ابنتي المتوفاة قصة عابرة، بل أدعو المتنمرين أن يتوقفوا عن فعلتهم القاتلة ويدركوا أن كلماتهم ممكن أن تتحول الى سلاح حقيقي. وأقول لكل شخص ينتمي الى فئة المتنمَّر عليه أن يحب نفسه كما هو لأننا بشر ومن الطبيعي ألا نكون كاملين، فأرجوكم لا تدعوهم ينجحون بقتلكم أو احزانكم، كونوا أقوى منهم وعيشوا كما تحبون، أحبوا وزنكم الزائد أو النحيف، أحبوا طولكم سواء أكان قصير أو طويل، أحبوا عيونكم الواسعة أو الصغيرة، أحبوا أنفكم بكل أحجامه، أحبوا لون بشرتكم بكل تدرجاتها، أحبوا البثور التي تغطي وجهكم وهالاتكم السوداء...تقبلوا نفسكم كما هي وأحبوها".
وتوجه الأم رسالتها للأهل خصوصا وتقول: "اياكم أن تكونوا مثلي، اياكم أن تخجلوا بأبنائكم الذين لا يصنفهم المجتمع ضمن خانة الحاصلين على معايير الجمال بل شبعوهم من الدعم والكلمات التي تعزز ثقتهم بنفسهم...قفوا الى جانبهم واسندوهم، علموهم أن يتقبلوا أنفسهم وأنكم تحبونهم بكل أحوالهم والا ستخسرونهم وتكون الخسارة الأكبر غير القابلة للتعويض".
أخيرا، التنمر جريمة متعددة الوسائل والأساليب قادرة أن تدمر أشخاصا وتنهي حياة... فحان الوقت للحد منها والا فجميعنا خاسرين... وللمتنمرين نسأل: من منكم كاملاً؟ من منكم بلا عيوب؟ من منكم يلبي معايير الجمال؟ وبالأساس من حدد معايير الجمال؟ فهل الجمال يحصر ضمن خانة معينة؟