بأقلامهم >بأقلامهم
استِشراف مُستقبل التّعليم بعد جائحة كورونـا
استِشراف مُستقبل التّعليم بعد جائحة كورونـا ‎الأربعاء 9 02 2022 19:41 علي مرعي
استِشراف مُستقبل التّعليم بعد جائحة كورونـا

جنوبيات

 

فرضَت جائحة كورونـا تحدّياتٍ واسعة في مُختلف شؤون الحياة، وإحدى أكثر هذه التّحدّيات خطورةً تطويرُ منظومات التّعليم؛ لتُلائم التّغييرات الجوهريّة في عصـر ما بعد الجائحة.

 وبعد ما يزيدُ على عامَـين من بداية هذه الجائحة؛ يقفُ التّربويُّـون ومُخطّطو التّعليم أمام سيناريُوهات مُختلفـة للمنحى الذي يجبُ أن يسلكَه التّعليم؛ بما يُؤدّي للحصول على أقصى جُودة مُممكنة، بالاستفادةِ من التّقنيّات الحديثة والتّطوّرات المعرفيّة. وفيما يلي بعضُ الأفكار  التي أراها ستحتلّ أولويّة قُصوى في مجال التّعليم للفترة المُقبلة:

١- ستشهد منظومات التّعليم ثورةً غير مسبوقة في النّظريّات التّربويّة الحديثة. فبعد السّلوكيّة والمعرفيّة والبنائيّة والاتِّصاليّة؛ سنكون أمام نظريّاتٍ جديدة ومفاهيم مُطوّرةٍ تُلامس البُعد المجتمعيّ في البيئات المُعقّدة، وفي الوقت ذاته تُولي الثّورةَ التّقنيّة أهمّيّة كبيرةً، وتستجيب للتّطوّرات المُتلاحقة والمُتسارعة في الذّكاء الاصطناعيّ، وإنترنت الأشياء، والمُدن الذّكيّة، والصّناعات المرِنة، والتّطبيقات الصحّيّة، والرّوبوتات، وسيولة البيانات، وغيرها.. 

٢- سيتمّ تطوير المناهج وتحديثها لتكون مُرَقمَنة بالكامل وذاتيّة الشّرح، وسيُشارك التّلامذة في تصميم المُحتَوى وإثراء المعارف، وسيكون للخبراتِ الذّاتيّة دورٌ كبيرٌ في زيادة فاعليّة المنهاج. 

٣- ستنمو مُجتَمعات المعرفة، وسيزداد التّشبيك العابر للحدود بين المتعلّمين، وسنكون أمام انفتاحٍ واسعٍ جدّا على الثّقافات المختلفة، وأنماط الحياة المُتبايِنة، وستتمدّد المعارف أُفقيًّا بحيثُ يُتاح للتّلامذة استقبالها ونقدها وحتّى إعادة إنتاجها. 

٤- ستحتلُّ اللّغات مساحةً مهمّة؛ لأنّ إتقانها سيُمكّن التّلامذة من تملّك مهارة التّعبير عن الذّات، وطرح الأفكار، وبسط الآراء، وإجراء عمليّات التّفاوض. وسينتقلون من كونهم متعلّمين قارئين إلى كونهم متعلّمين مُفكّرين وناقدين. 

٥- سيكون لاستراتيجيّات التّعلّم الذّاتيّ أهميّة متزايدة في منظومات التّعليم، وستُبنى هذه الاستراتيجيّات بشكلٍ أساسيّ على الاكتشاف الذّاتيّ، والتّأمُّل، والعصف الذّهنيّ، واستِدرار الأفكار، والبحث، والتّأليف، والابتِكار. 

٦- ستكون مهارات القرن العشرين في قلب عمليّة التّعليم؛ وستضمنُ تحسين مهارات التّلامذة في التّفكير النّاقد، وحلّ المُشكلات، والتّواصل، وإدارة فرق العمل، والتّخطيط الاستراتيجيّ. وسيكون التّعليم في خدمة الواقع ومُعبّرًا عنه ومُوصلًا إليه. 

٧- سيشهد التّعليم المُستقبليّ قفزات هائلة في التّقويم التّربويّ، وسيكون هذا التّقويم خاليًا من الدّرجـات الصّمّاء، وقائمًا على التّغذية الرّاجعة بشكلٍ أساسيّ، والتي ستُوفّر للمُتعلّم معلوماتٍ تفصيليّة ووصفيّة عن أدائه وتقدّمه.

٨- سيحتاجُ التّعليم في المستقبل إتقانًا جيّدًا للمهارات التّكنولوجيّة، وسينسحبُ من هذه العمليّة أولئك المعلّمون الذين لم يُطوّروا من قدراتِهم التّكنولوجيْة بما يتوازى مع الثّورة المعرفيّة القائمة. وسيكون اصطِفاء المعلّمين منصبًّا بشكلٍ أساسيّ على مهاراتهم الرّقميّة، وإبداعِهم في هذا المجال، وقدرتهم على تصميم المُحتَوى وإدارة مجتمعات المعرفة؛ فالمرحلة القادمة تتطلّب إعادة تعريف دور المعلّم في النّظام الجديد. 

٩- سيتولّى التّعليم الذّكيّ محو التّعليم التّقليديّ مرّة واحدة وإلى الأبد، وسيتّصف هذا التّعليم بالمرونة الكافية، وسيتوزّع فيما بين البيت والمدرسة بشكلٍ متوازن؛ ففي البيت سيخوض التّلامذة تجربة التّعلّم الذّاتيّ بمرحٍ وسعادةٍ، وسيُنجزون مهامهم التّعلّميّة عن طريق التّعلّم التّشاركيّ، ثمّ يذهبون إلى المدرسة ثلاثة أيّامٍ في الأسبوع أو يومين اثنينِ، ليعرِضوا إنجازاتهم ويتبادلوا الآراء والأفكار ويُناقشوا في سبل تطوير أدائهم. وسيُوفّر لهم المعلّم بيئةً جاذبةً تُنمّي فيهم مهارات العرض والإلقاء والمناقشة وإدارة الحوار.

١٠- ستشهد السّنوات القليلة القادمة تطوّرًا هائلًا في المنصّات التّعليميّة، وسيكون للذّكاء الاصطناعيّ دورٌ كبيرٌ في توفير تجربة تعليميّة رائدة ونوعيّة، وستُتيح التّطبيقات الذّكيّة فرص التّفاعل المرِن مع المنهاج، وسيخوض التّلامذة تجارب مميّزة في الرّحلات المعرفيّة، والفصول المقلوبة، والمشاريع الإلكترونيّة، وسيستطيع أولياء الأمور متابعة أداء أبنائهم عن طريق هذه التّطبيقات بيُسرٍ وسُهولة. 


١١- سيشهد التّعليم المُستقبليّ ثورةً وازنةً في عناصر العمليّة التّربويّة؛ فلن تكون البيئة المادّيّة كما هي اليوم، ولن يتلقّى التّلامذة تعليمًا متشابهًا وكأنّهم قوالب جامدة تُصبّ فيهم معارف ومعلومات لم يُشاركوا في صناعتها. سيكون هناك صفوفٌ مرِنة للغاية، وتعليمًا متخصّصًا يتكافأ مع اهتِمامات كلّ متعلّم وبما يتوافق مع قُدراته وحاجاتِه، وستكون المنظومة التّربويّة متجاوبة مع سرعات المتعلّمين. 


١٢- لن يسمح التّعليم المُستقبليّ بالنّظر إلى الموادّ الدّراسيّة وكأنّها كتل مستقلّة يفصل بينها حواجز صلبة، وإنّما سيتطوّر التّعليم باتّجاه إعداد المشاريع الكبيرة التي تشترك فيها عدّة موادّ في الوقت نفسه، بما يُؤدّي للوصول إلى وظيفيّة التّعليم الحقيقيّة. 

خُلاصة القول، سنكون في السّنوات القليلة القادمة أمام تغييرات شاملة وقفزات هائلة في مجال التّعليم، وليس إجراءاتٍ شكليّة وبسيطة. إنّه عصر الانتقال من التّعليم في زمن الثّورة الصّناعيّة إلى التّعليم في زمن التّكنولوجيا الذّكيّة، أي: "تعليم أقلّ وتعلُّم أكثر". فإمّا أن نُجهّز أنفسنا لمُتطلّبات هذا العصر، وإمّا أن يجرفنا التّيّار بعيدًا.

المصدر : جنوبيات