أمن وقضائيات >أمن وقضائيات
"المعلومات" تخترق "داعش" مجدّداً: الضاحية تنجو من مجزرة ثلاثية
الخميس 24 02 2022 09:11ملاك عقيل
هي عمليّة "لبنان الآمن"... من الإرهاب في نسختها الثالثة.
ثمّة مسار بدأته "شعبة المعلومات" منذ العام 2018 سابق للعملية النوعية التي تمّ الكشف عنها أمس وأدّى تصدّي "الشعبة" لها إلى تجنيب لبنان مجدّداً وقوع فاجعة حقيقية إثر تحديد "داعش" ثلاثة مواقع في الضاحية الجنوبية لتنفيذ عمليات انتحارية متزامنة من قبل ثلاثة أشخاص جنّدتهم "الشعبة".
بتقدير مصدر أمني مطّلع أنّ "هذا النوع من العمليات الانغماسية فُرمِل في مرحلة معيّنة، ثمّ نَشط مجدّداً، لكنّ تسريع الطلب بتنفيذ العملية أتى عقب اغتيال "أبي إبراهيم الهاشمي القرشي" زعيم تنظيم "داعش" في بداية شباط الجاري خلال إنزال جوّي للقوات الأميركية في بلدة أطمة الحدودية مع تركيا في ريف إدلب، في سيناريو مشابه لاغتيال "أبي بكر البغدادي" عام 2019، ويأتي في سياق الانتقام من حزب الله".
مصدر أمني مطّلع هذا النوع من العمليات الانغماسية فُرمِل في مرحلة معيّنة، ثمّ نَشط مجدّداً، لكنّ تسريع الطلب بتنفيذ العملية أتى عقب اغتيال "أبي إبراهيم الهاشمي القرشي" زعيم تنظيم "داعش" في بداية شباط الجاري
جاء الإعلان عن العملية الأمنيّة غير المسبوقة والبالغة السرّيّة التي تدخل في سياق العمليات الاستباقية والوقائية لشعبة المعلومات في مديرية قوى الأمن الداخلي، خلال مؤتمر صحافي عقده أمس وزير الداخلية بسام المولوي، بحضور المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان ورئيس "شعبة المعلومات" العميد خالد حمود وعدد من ضباط الشعبة.
المواقع المحدّدة للعمليّة: مجمّع الكاظم في حيّ ماضي، مجمّع الليلكي، وحسينية الناصر في الأوزاعي.
الهدف: تنفيذ ثلاث عمليّات انتحارية متزامنة في الضاحية الجنوبية تمّ تحديد موعد الصفر لها الشهر الجاري.
التوقيت: أيّام قليلة جدّاً قبل الإعلان عن كشف الشبكة الإرهابية أمس.
المشغّل: أسعد الشامي الفلسطيني المقيم بشكل دائم في مخيّم عين الحلوة والذي ينتمي إلى شبكة فلسطينية تكفيرية وزّعت الأدوار فيما بينها.
المُنفّذون المفترضون: ثلاثة أشخاص جنّدتهم "شعبة المعلومات" للتواصل مع الشامي الرأس المدبّر للمجموعة الإرهابية في عين الحلوة.
سترات مفخّخة
أمّا العامل الأكثر خطورة هو الأسلوب الجديد المُستخدَم في عمليّات التفجير الانتحاري عبر اللجوء للمرّة الأولى إلى سترات مفخّخة بموادّ شديدة الانفجار وقوّة تدميرية هائلة قد تؤدّي في حال انفجارها في أماكن مغلقة ومزدحمة إلى وقوع مئات القتلى.
وقد تبيّن أنّ إحدى السترات الثلاث التي تمّ تسلّمها في 3 شباط الجاري تزن نحو 10 كلغ، واحتوت على قذيفة مدفعية وقذيفة B7 وحزام ناسف وكريات متفجّرة وC4، ويمكن أن تؤدي قوّة عصفها في مكان مغلق إلى قتل كلّ مَن فيه بغضّ النظر عن العدد، وإلى هدم المبنى المستهدَف.
استمرّ مسار المتابعة والرصد وصولاً إلى كشف العملية للرأي العام عاماً وشهرين منذ بداية 2021 من خلال تجنيد "المعلومات" لمصدرٍ بشريّ أُطلق عليه اسم "أبي خطّاب"، وتمّ ربطه بكادر أمنيّ في سوريا.
وكان فريق أمنيّ مُحترف من "الشعبة" قد أشرف على "المصدر" وتوجيهه، فحاز ثقة الكادر في سوريا الذي طلب منه العمل لمصلحة تنظيم "داعش" في لبنان، وجرى ربطه أيضاً بكادر آخر في التنظيم في عين الحلوة ملقّب بأسد الشامي بواسطة كلمة سرّ.
أشهر عدّة من العمل الأمنيّ السرّي قادت إلى انضمام شخصين إضافيّين جنّدتهما "المعلومات" لمساعدة أبي خطّاب في استدراج مجموعة عين الحلوة لمعرفة مخطّطها الإرهابي. وجرى تسليم "عُدّة شغل" التفجيرات الانتحارية في منطقة السعديّات على ثلاث مراحل:
- الأولى في 14 أيار 2021 تسلّم خلالها أبو خطّاب (المجنّد من قبل شعبة المعلومات) حزاماً ناسفاً بوزن 2.5 كلغ ومتفجّرات C4 وأسلاكاً وموادّ متفجّرة بقوّة تدميرية كبيرة ومبلغ 500 ألف ليرة.
- الثانية في 3 شباط الجاري تسلّم فيها شخصان من "المعلومات" على متن درّاجة نارية ثلاث سترات ناسفة وقنبلتين يدويّتين ومبلغاً من المال من شخصين موفدين من أسد الشامي استقلّا سيارة مرسيدس.
-الثالثة في 17 شباط تسلّم فيها شخصان من "المعلومات" دفعة أخيرة تضمّنت 3 بنادق كلاشينكوف و13 مشطاً وقنابل يدوية من أربعة أشخاص وصلوا بسيارة مرسيدس سوداء تمّ اعتراضها لاحقاً في محلّة الكولا وتوقيف مَن فيها.
العامل الأكثر خطورة هو الأسلوب الجديد المُستخدَم في عمليّات التفجير الانتحاري عبر اللجوء للمرّة الأولى إلى سترات مفخّخة بموادّ شديدة الانفجار وقوّة تدميرية هائلة قد تؤدّي في حال انفجارها في أماكن مغلقة ومزدحمة إلى وقوع مئات القتلى
كشفت "شعبة المعلومات" أمس عن فيديوهات جوّيّة وميدانية توثِّق التسليم والتسلّم في المرحلتين، فيما تضمّنت المرحلة الثالثة عرض شريط بالصوت والصورة للتسليم والتسلّم الأخيرين، ثمّ توقيف المتورّطين في مشاهد أقرب إلى "أفلام الأكشن" لكن Real tv.
وكان المشغّل الفلسطيني أسعد الشامي طلب بوضوح في 11 شباط من أبي خطّاب تنفيذ العمليات الانغماسية في ثلاثة مواقع في الضاحية الجنوبية بانتظار تحديد الأمكنة.
في 16 شباط تواصل أبو جعفر، المقيم في عين الحلوة، مع أبي خطّاب وشرح له كيفيّة تفجير السترات الناسفة، بعدما كان تواصل سابقاً معه لتعليمه كيفيّة استخدام الحزام الناسف.
عمليّاً، بعد الإصرار على التسريع في التنفيذ "في الأيام القليلة القادمة" من قبل المشغّل، وطلب تسجيل فيديو عن الإعداد للعملية، ولأنّ العملية استنفدت كلّ النتائج المرجوّة، اُتُّخذ القرار بإنهاء العملية والإعلان عنها.
يجدر القول في هذا السياق أنّ الأمن وحده "الحامي والواعي" الذي لا يزال بمنأى عن المهاترات السخيفة والوقحة والفاجرة لأهل السلطة الملتهين بزواريب مصالحهم، فيما الأمن "ناشط" بوجه الخلايا النائمة و"المُستيقظة".
يُسجّل في هذا السياق عمل "شعبة المعلومات" على ثلاثة خطوط دفعة واحدة: مكافحة الإرهاب وكشف شبكات التجسّس الإسرائيلية وشبكات الاتّجار بالمخدِّرات وتصديرها إلى الخارج.
العملية الأخيرة كسرت الرقم القياسي لناحية فترة تجنيد أشخاص من قبل "المعلومات" وإحباط مخطّطات إرهابية كان يمكن أن تكون نتائجها كارثية على الداخل اللبناني الهشّ
"لبنان الآمن" 1 و2
تذكِّر وقائع مؤتمر أمس بالإنجاز الأمني الذي كشف عنه وزير الداخلية السابق نهاد المشنوق خلال مؤتمر صحافي عقده في كانون الثاني 2018 وأطلق فيه على العملية اسم "لبنان الآمن 1"، وحينذاك اخترقت "المعلومات" "داعش" بجاسوس تمّ تجنيده وإخضاعه لدورات شرعيّة وصلت إلى حدّ سفره مرّتين إلى تركيا.
بعد ذلك، تواصَل الجاسوس مع "أبي جعفر العراقي"، فشكّل طُعماً له أدّى إلى استدراج القيادي العراقي إلى لبنان. ثمّ أوقف "أبو جعفر" بسرّيّة تامّة، وجُنّد بدوره لاستدراج آخرين من "التنظيم".
يومذاك عرضت "الشعبة"، للمرّة الأولى، مقاطع فيديو صُوّرت من خلال كاميرا سرّيّة أظهرت "أبا جعفر العراقي" متحدّثاً بوضوح عن مخطّط لضرب لبنان وتنفيذ عمليّات انتحارية في أوقات مختلفة، منها ليلة رأس السنة. وفي أقلّ من عام، وتحديداً في كانون الأول من العام نفسه، أعلن المشنوق عن عملية "لبنان الآمن 2" التي أحبطت "شعبة المعلومات" خلالها "مخطّطاً إرهابياً داعشياً كان يستهدف أماكن العبادة وتجمّعات للنصارى (وفق تعبير المُشغّل السوري أبي عمر)، وأيّ تجمّع للقوى العسكرية، وتنفيذ عملية إرهابية خلال الانتخابات النيابية".
يومئذٍ أكّد المشنوق أنّ العملية الأمنيّة المعقّدة "أعادت التأكيد على فكرة "لبنان الآمن" للمقيمين والزوّار".
جنّبت عملية "لبنان الآمن 2" البلد ضربات إرهابية كانت ستُنفّذ من خلال متفجّرات أُرسلت إلى لبنان، على مرحلتين، في "سطول" جبنة وشَنكليش، وسُجّلت وقتذاك أطول مدّة لتجنيد مُخبر، إذ استمرّت أكثر من 10 أشهر من دون أن تعلم القيادات المُشغّلة في إدلب بالأمر.
أمّا العملية الأخيرة فكسرت الرقم القياسي لناحية فترة تجنيد أشخاص من قبل "المعلومات" وإحباط مخطّطات إرهابية كان يمكن أن تكون نتائجها كارثية على الداخل اللبناني الهشّ.
موقوفان و"الشبكة" تقيم في عين الحلوة
بنتيجة التحقيقات تبيّن أنّ الشبكة التكفيرية تضمّ ستّة أشخاص من الجنسية الفلسطينية يقيمون في عين الحلوة بشكل دائم باستثناء واحد فقط يخرج ويعود إلى المخيم. وجرى بداية توقيف أربعة أشخاص، ثمّ أُطلق سراح قاصريْن رافقا المتورّطين في عملية التسليم الأخيرة للتمويه فقط.
مسار في "مطاردة داعش"
في الواقع ساهمت خسارة "داعش" الأرض ومناطق نفوذها في المنطقة ولبنان في السنوات الماضية في التخفيف من فعّاليّة "القسم الخارجي" لعمليّاتها، إذ تركّزت الاستراتيجية الجديدة للتنظيم في دفع عناصرها إلى تنفيذ عمليات فردية وفق المُتاح من "عُدّة شغل".
صبّت "شعبة المعلومات" طوال السنوات الماضية جهودها الأمنيّة على العمليات الاستباقية والوقائية، كانت الأخيرة فيها القضاء على خليّة وادي خالد في أيلول 2020 بعد محاصرة القوة الضاربة في شعبة المعلومات منزلاً نائياً كانت تتحصّن فيه المجموعة المتشدّدة، وقتل أفرادها التسعة، من ضمنهم عناصر "خليّة كفتون" وأميرها محمد الحجار، بعد مواجهات امتدّت لساعات.
وكشف الجيش مراراً عن عمليّات نفّذها أسفرت عن توقيف قياديين وعناصر في "داعش"، من ضمنهم أفراد نفّذوا جريمة كفتون، أو سعوا إلى تشكيل خلايا وتجنيد أشخاص آخرين.