فلسطينيات >الفلسطينيون في لبنان
بيان صادر عن إعلام حركة فتح قيادة الساحة في لبنان
بيان صادر عن إعلام حركة فتح قيادة الساحة في لبنان ‎الأربعاء 16 03 2022 19:05
بيان صادر عن إعلام حركة فتح قيادة الساحة في لبنان

جنوبيات

صدر عن إعلام حركة فتح قيادة الساحة في لبنان البيان التالي:


معركة الكرامة شرَّعت أبواب الكرامة على مصراعيه

في ذكرى معركة الكرامة 21/3/1968 فإن شعبنا الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، وعلى اختلاف أعمارهم يتأهبون لاستقبال هذا الحدث التاريخي بكل عنفوان وكبرياء، ورؤوسهم مرفوعة، لا يعرفون الانحناء الاَّ لله، فهاماتهم شامخة، ودماء الشهداء التي نزفت في يوم الكرامة ما زالت تجري في عروقنا وأجسادنا وذاكرتنا مشاهد راسخة في أذهاننا، وتزداد بريقاً واشراقاً، وتأهباً لخوض غمار ما ينتظرنا من مخاضات التحدي والمواجهة، والصراع الذي يطل بقرنيه السوداويين مع كل صباح متأهباً لصناعة النكبات، واستنزاف الدماء، وتمزيق جثث الأطفال، وإغراق الأمهات في مزيد من التعذيب والآلام في الزنازين، وتحت سطوة سياط النازيين.

ورغم كل ما واجهناه من آلام، ومجازر، ومن فنون الانتقام وأشكال الأحقاد، وتعذيب الأسرى والأسيرات، والمرضى والمريضات فإن إيماننا بالله، وقناعاتنا بحقوقنا، ووفاءنا لواجباتنا المقدسة، هي من ثوابتنا.

 فإننا شعب الجبارين المسلَّح بالحق والإيمان، وليس أمامنا من خيارات سوى أن نحفظ الأمانة، وأن نحمي الأرض المباركة أرض الأنبياء والمقدسات. وانطلاقاً مما تقدم فإننا سنأتي على ذكر ابرز المميزات التي جعلت معركة الكرامة تتصدر المواجهات مع الاحتلال.
هي معركة فاصلة في تاريخ الثورة الفلسطينية الحديثة ودارت رحاها في بلدة الكرامة الأردنية في غور الأردن بتاريخ 21/3/1968 بين الفدائيين في الأردن من جهة، والقوات الإسرائيلية المجهزة بالطائرات والدبابات من جهة أخرى، وحققت فيها قوات حركة (فتح) بشكل أساسي، وعدد من القوات الفلسطينية الأخرى مثل  قوات التحرير الشعبية نصرا أضاء ظلام سماء هزيمة حزيران( يونيو) 1967 وكان موشي ديان وزير الدفاع الإسرائيلي حينذاك هو الذي يقود الهجوم الإسرائيلي.

وكان الهجوم الإسرائيلي يهدف إلى:
أ- إنهاء العمل الفدائي الفلسطيني، واعتقد موشي ديان ان هذه مهمة سهلة لن تحتاج إلاّ لساعات معدودة.
ب- معاقبة الأردن على احتضانه العمل الفدائي الفلسطيني، وقيامه بإسناد الفدائيين الفلسطينيين في اشتباكاتهم مع الجيش الإسرائيلي على طول الجبهة الأردنية.
ج- احتلال مرتفعات السلط وتحويلها إلى حزام أمني لإسرائيل، كما حدث بعد ذلك في جنوب لبنان.
مجريات معركة الكرامة:

تشكلت القوة الإسرائيلية  المهاجمة من قوات رأس الجسر، ومن لواءين من المشاة والمظليين، ولواءين من الدروع وعدد من طائرات الهليكوبتر لإنزال المظليين على الكرامة، وخمس كتائب مدفعية، وأربعة أسراب طائرات جوية، أما قوة الهجوم الرئيسة، حسب البيان الرسمي الأردني، فقد تشكلت من فرقة مدرعة، وفرقة مشاة آلية، وواضح من هذا الحشد الهائل أن العملية كانت تستهدف الاحتلال، وليس مجرد القصف. 

في الخامسة والنصف صباح يوم الحادي والعشرين من آذار (مارس) العام 1968م تحركت القوات الإسرائيلية لاجتياح الأغوار على أربعة محاور: محور العارضة، ومحور وادي شعيب، ومحور سويمة، ومحور للتضليل والخداع) وهو محور غور الصافي من جنوب البحر الميت حتى الصافي، اصطدمت قوات الغزو بمقاومة عنيفة بعد محاولة التقدم الأولى، ودفعت بقواتها الجوية، وركزت القصف المدفعي على مرابض المدفعية الأردنية، ومواقع الفدائيين الفلسطينيين، وفي الساعة العاشرة صباحا، وصلت بلدة الكرامة- معقل الفدائيين بعدما كانت قد أنزلت قوات محمولة خلف البلدة، ودارت في أزقة المخيم معارك بالسلاح الأبيض والأحزمة الناسفة، وفي الساعة 11.30 طلبت إسرائيل إزاء خسائرها ولأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي من الجنرال( أودبول) كبير المراقبين الدوليين وقفَ إطلاق النار، وتم انسحاب آخر الجنود في الساعة الثامنة والنصف مساء، وتكبد الكيان الصهيوني خسائر إضافية خلال انسحابها جراء القصف المدفعي الأردني، وكمائن  المقاومة الفلسطينية المنتشرة على كافة المحاور.

وعلى الرغم من بساطة سلاح الفدائيين، حيث كان عدد  البنادق معهم أقل من عددهم،  فقد أنزلوا خسائر جسيمة بالعدو، ورغم التكافؤ في القوى العسكرية بين الجيش  الأردني الذي قاتل بفرقة مشاة ولواء مدرع وكتيبة دبابات وذلك نسبة 2:1 مع القوة المهاجمة، كما يقول الفريق مشهور حديثة الجازي قائد الفرقة الأولى في الجيش الأردني خسائر واسعة في المهاجمين وأعاق تقدمهم وافشل خططهم، وحسب المعلومات المنشورة فقد خسر العدو 28.

 قتيلا و 90 جريحا، وتمّ تدمير 8 آليات مختلفة للعدو، وبقيت الدبابات في أرض المعركة، وسقطت له طائرة بينما كان عدد الشهداء في الجانب الأردني 61 والجرحى 108 وخسر 13 دبابة و39 آلية اما الفدائيون فقد قال الشهيد أبو جهاد عن الكرامة كما جاء في شؤون فلسطينية (نيسان ابريل) 1978م ما يلي:

لقد كانت معرکه الكرامة  قرار مواجهة وتضحية ، ولكن بإيمان  مطلق من حقيقة جديدة يمكن أن تكون نقطة تحول في تاريخنا و تاریخ تورثنا الفلسطينية،  ونضالنا العربي، وكانت الكرامة نقطة حقيقية ، ورغم إمكاناتنا المتواضعة وأَعدادنا القليلة، فقد خسرنا حوالي 97 شهيدا وحوالي 66 اسيراً  إلى جانب تدمير مخيم الكرامة، إلا أن هذه  المعركة أعطت في تاريخ النضال الفلسطيني والعربي دفعة جديدة إلى الأمام ، وهيأت للثورة القدرة على النمو  كما بعد يوم واحد من معركة  الکرامه نجلس تحت أشجار مدينة السلط،  حيث تقف في مواجهتها طوابير ممتدة  من القادمين للتطوع والالتحاق بالثورة، نبدأ التسجيل في السابعة صباحا ولا ننتهي إلا الثامنة مساء ، لقد تفجرت روحية العطاء لدى جماهير شعبنا وامتنا اثر تلك المعركة الخالدة .

ومن المهم أن نشير هنا إلى بعض الروايات والتصريحات التي أدلى بها قادة عظماء كانوا في قلب المعركة ومنها على سبيل المثال:
رواية مشهور حديثة قائد الفرقة الأولى يوم الكرامة:


 لقد دخل الإسرائيليون الكرامة، واشتبك الجنود والفدائيون معهم بالسلاح الأبيض، ولكن المعركة لم تكن سهلة عليهم، ولم يستطيعوا تحقيق هدف استئصال الحركة الفدائية  الفلسطينية وضرب القوات المسلحة  الأردنية. 

وهنا أقول بكل فخر، إنني استطعت تجاوز الخلاف الذي كان ناشئا آنذاك بين الفدائيين والسلطة الأردنية فقاتل الطرفان ضد إسرائيل، فكانت النتيجة والحمد لله مُشرِّفة.

ويضيف أنه اجري التنسيق للمعركة مع أبو عمار  شخصياً، وكذلك المرحوم أبو صبري، وقادة المواقع الفلسطينية في محور الكرامة ومحور الشونة بشكل خاص، وكان هناك تنسيق على كل الجبهات، وقد أصدرت تعليماتي بان يتم التنسيق بين الجيش وبين قوات العمل الفدائي في كل المواقع الأخرى، وإيمانا منى بأن المعركة حاسمة ضد هذه الامة كلها.

ويقول، كان قرارنا فيها الصمود والانتصار  بأي ثمن،  فقاتل الجميع من ضباط وجنود وفدائيين جنباً إلى جنب، واستشهد عدد كبير من الضباط الأردنيين، وهذا مخالف لما يحدث عادة حيث تكون أغلبية الشهداء من الجنود أما سببه فيعود إلى القرار بأن يكون الضباط في المقدمة  ثم الجنود. 

وأضاف قائلاً دخل الجيش الإسرائيلي معركة الكرامة بحوالي فرقتين منها فرقة منقولة، وقام بانزال جوي، واسناد مدفعي، وقصف جوي كثيف طبقاً للحسابات العسكرية، كان حجم قواتنا بالنسبة لقوة المهاجمين(1-5) إذْ ان قواتنا المشاركة هي الفرقة المتواجدة في المنطقة، وتضم ثلاثة ألوية، وكان لديهم مساندة جوية هائلة عندهم، ونحن لا نملك طائرة ومقاومتنا الجوية قليلة(12 مدفعا فقط) بالنسبة للعدو كانت الطلعة الواحدة تضم تشكيلات من خمس إلى مئة طائرة، وقاموا باكثر من مئة طلعة ولك أن تتصور حجم كثافة النيران الهائلة التي لم يتعود عليها جنودنا من قبل، وليس لها مثيل في تاريخ الصراع العسكري حتى ذلك الوقت، اما خسائرنا، أقصد خسائر الجيش، فقد كانت في حدود 120 جندياً بين شهيد وجريح، وهو شيء لا يمكن مقارنته بخسائر العدو.

الفدائيون قاتلوا ببسالة نادرة، وقدموا حوالي مئة شهيد، وهذه الخسائر الكبيرة قياساً لحجمهم المتواضع في ذلك الوقت، أَثبت خطأ المقولة بأن الفدائيين لم يشتركوا في المعركة، هذا كلام غير صحيح، فقد اشتركوا بكل بطولة وبروح معنوية عالية، وقدموا تضحيات كبيرة، حيث اشتبكوا مع الإسرائيليين في الكرامة بالسلاح الأبيض واستبسلوا وأبلوا بلاء حسناً، والشيء الوحيد الذي حزَّ في نفسي هو الإنزال  الإسرائيلي على الكرامة إذ لم استطع ان اعالجَهُ بالقصف المدفعي فذلك كان سيؤدي لقتل أهلنا من مدنيين وفدائيين داخل المخيم والبلدة، فلو كان إنزالهم على مواقع عسكرية لكانت انقضت عليهم مدفعيتنا بكل قوة، ولكن القتال كان وجهاً لوجه داخل الكرامة فكيف سأتدخل بالقصف المدفعي؟.

هناك من قال ان المعركة قام بها الفدائيون وحدهم وكان دور الجيش الأردني محدوداً، وهناك من قال في المقابل انه لا دور على الإطلاق للفدائيين، وللحقيقة وللتاريخ أقول إن الدورين متكاملان: دور الجيش ودور الفدائيين الذين أهلكوا القوات الإسرائيلية بقتالهم وجها لوجه مع الإسرائيليين، الذين لم يألفوا مثل هذه الشجاعة، وبالكمائن التي اصطادوا بها الدبابات بقذائف الــ (آربي جي).

ويقول صخر حبش عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، إن قرى الكرامة والكريمة، كانتا تكتظان بالفدائيين وكان يقطنهما أكثر من 100 ألف لاجئ فلسطيني قبل شهرين من المعركة، وقد هجرتهما الجماهير بعد سلسلة القصف المتواصل بهدف الترحيل، وكان من الطبيعي ألا يتبع الفدائيون الهجرةَ مع المواطنين، لأنه في ذلك تكون النهاية، لذلك فقد اختارت الحركة( أي حركة فتح ) المجازفة بعد أن اعتمدت على أن الموقف الوطني والقومي للجيش الأردني لا يمكن ان يقبل ويسلم بعبور القوات الإسرائيلية نهر الأردن لتضرب قواعد الفدائيين والقوات الأردنية في شرق النهر، لتكون هناك هزيمة جديدة تضاف لهزيمة حزيران.

واستطرد صخر حبش قائلاً: قبل أيام من الغزو قال قائد فرقة المظليين الإسرائيليين التي أنزلت خلف الكرامة على الجبال والمؤلفة من 70 مظلياً كانت مهمتهم الأساسية قتل الفدائيين، وأنهم سيهربون، من الكرامة أو يؤسرون، وتحدَّثَ قائد الفرقة عن الخطة وقال: انه وجد نفسه بين نارين، نار الفدائيين المتمرسين في مواقعهم، ونار الفدائيين الذين قاتلوا كل القوات التي هاجمتهم، والمفاجأة الأكبر كانت مشاركة الجيش الأردني بمدفعية الأمر الذي أذهلهم ويتحدثون الآن عن أَضعاف أَعداد الإصابات عما اعترفوا به في حينه.

وأضاف، وغنمت المقاومةُ بعض الدبابات الإسرائيلية، وخسرت إسرائيل ثمانية وعشرين جندياً، كما أن بعض الجثث ظلت في ساحة المعركة، وبعد انسحاب القوات الإسرائيلية بدأت احتفالات فلسطينية بالنصر، وامتدت إلى ساحات العالم العربي، وظهر اسم ياسر عرفات علناً بعد أيام على معركة الكرامة بصدور بيان رسمي عن اللجنة المركزية لحركة فتح  يُخوَّل ياسر عرفات بإصدار البيانات باسم حركة فتح، وأن يكون المتحدث الرسمي لها.

وهكذا بدأ آلاف من الشباب الفلسطينيين في التدفق على قيادات ومعسكرات فتح في الأردن وفي بعض الدول العربية الأخرى، ولم يشكل مقتل أكثر من مئة من مقاتلي حرب العصابات في المعركة عائقاً أَمام نشوة أسطورة الكرامة.

دلالات معركة الكرامة:
أما عن دلالات معركة الكرامة فقد قال هاني الحسن عضو اللجنة المركزية لحركة فتح أنها أوقفت التقهقر العربي وانهزام الجندي العربي من وقتها، وقال صخر حبش عضو اللجنة المركزية في فتح أيضا انها معركة تُعبرِّ عن انعطاف تاريخي في تاريخ الصراع العربي- الإسرائيلي وبالتحديد لها دور كبير جداً في مفهوم حركة فتح النضالي، إذ انها تنطلق بفكر وطني ثوري يعتمد الكفاح المسلح وحرب العصابات أسلوباً للنضال يتراكم ليحقق تحريرَ الوطن، ووجدت نفسها امام مأزق التشبث بالنظريات السائدة، وبين اختيارها أسلوبا جديداً للمواجهة يتعارض مع كل الأسس النظرية لحرب العصابات.

أكدت هذه المعركة للمقاتل الفلسطيني أن الجيش الأردني يقاتل إلى جانبه بصرف النظر عن بعض الأحداث وعلى الرغم من الرؤيا القائلة بأن لدى إسرائيل الجيش الذي لا يقهر، إلا أن المعركة غيرت هذا المفهوم وحولت الجيش الإسرائيلي إلى الجيش الذي يمكن قهره، حينما وجد الإسرائيليون دباباتهم في الوحل، كما وجدت جثث سائقي الدبابات داخل دباباتهم المحترقة مكبلة بالسلاسل خوفاً من هربهم، كما لاحظ الناس ان الفدائيين من أمثال ربحي والفسفوري وأبو أمية وأبو شريف، الذين فجروا أنفسهم بأحزمتهم الناسفة تحت وفي داخل الدبابات لاحظوا الفرق بين الذي يطلب الموت لتُوهَب له الحياة، وبين الذين يخشون الموت فيموتون وهم أحياء، وهو الحدث الذي يعبر عن أهمية الشموخ الفلسطيني والتلاحم الأردني، فمعركة الكرامة كانت منعطفاً تاريخياً خطيراً.

 وقد نكون استثمرنا فيه النصر أكثر من اللازم حيث تنازلت(فتح) عن شروط عضويتها وأقبل على الالتحاق بها الآلافُ يومياً، واكتسبت المقاومة الفلسطينية والحركة مداً جماهيراً منقطعَ النظير، بالتحديد حركة فتح لكونها التنظيم الفلسطيني الوحيد الذي اتخذ قرار المواجهة، وشاركت معه في المعركة قوات التحرير الشعبية، بينما اعتبرت التنظيمات الأخرى ان هذا العمل انتحار، ومخالف لنظريات حرب العصابات، حيث انسحب احمد جبريل إلى الجبال الشرقية، والكرامة تدل على العمق الحقيقي لأهمية القتال، خاصة عندما يكون هنالك تضافر ووحدة الجيش مع وحدةِ العمل الفدائي التي خلَّفت الأسطورة فلم يكن بمقدور الجيش وحدَهُ العمل، وكذلك الفدائيون، فهذه الأسطورة مركبة ومزدوجة ويعود الفضل فيها إلى القرار الشجاع الذي اتخذته حركة فتح بالصمود في أرض المعركة.
المجد والخلود لشهدائنا الابرار في جنات النعيم.
النصرُ والحرية للأسرى الذين قهروا ظلام الزنازين. 
الشفاء لجرحانا البواسل.
وإنها لثورة حتى النصر.

المصدر : جنوبيات