مقالات هيثم زعيتر >مقالات هيثم زعيتر
«خنساء فلسطين».. «أم ناصر» أبو حميد.. حكاية صمود فريدة في العالم؛ أناشد العالم إنقاذ ابني في سجون الاحتلال
جنوبيات
«افتخر إنن بنادوني بأم الشهدا والأسرى والأبطال .. مش أم العملا»...
بهذه الكلمات استهلت الحاجة لطيفة محمد ناجي (أبو حميد) «أم ناصر» (76 عاماً)، حديثها لـ«اللـواء» في منزلها برام الله في الضفة الغربية المُحتلة، بعدما دمّر الاحتلال الإسرائيلي منازلها 5 مرات.
عشية احتفال العالم بعيد الأم، فإنّه في فلسطين لديه خصوصية بفعل استمرار الاحتلال الإسرائيلي مُنذ أكثر من 74 عاماً.
يُسجّل التاريخ حكاية «خنساء فلسطين» بأحرف ناصعة البياض، محفورة في الضمير والوجدان، كما رسوخها كزيتون أرض المُرسلين، فأضحت «سنديانة فلسطين».
هي زوجة الشهيد محمد يوسف ناجي، الذي اعتقله الاحتلال مرّتين، على الرغم من أنّه كفيف، ووالدة شهيد، وحالياً لديها 5 أبناء في سجون الاحتلال، محكومين بمُؤبّدات، وهي حالة فريدة من نوعها في العالم، وجميع أبنائها الـ10 مرّوا بتجربة الاعتقال لسنوات عدّة، وكذلك حفيدها، وشقيقها حسين براج «أبو نضال»، شهيدٌ، وقتل الاحتلال جنينها وهي حامل في الشهر الثامن، يُضاف إليهم هدم الاحتلال منازلها 5 مرات.
تفاصيل حياتها بكل محطاتها، تُمثّل مواقف صمود وإباء ونضال، تتجاوز حدود فلسطين، حاملة رسائل للعالم أجمع، من أمّ لم تهز مُمارسات الاحتلال التعسّفية ضدها وضد عائلتها، أي رمش من رموش عينيها، التي تخفي في مُقلتيها دموعاً لا تذرفها إلا فرحاً عندما تُحقّق إنجازاً كبيراً ضد المُحتل.
سِجلّها حافل في هذا المجال، ولم يزدها ذلك إلا إيماناً بعدالة قضيتها، وحق أهلها الذي لا يموت، طالما هناك من يُطالب به، ويبذل الغالي والنفيس من أجل الوصول إلى الهدف المنشود بدحر الاحتلال عن فلسطين.
حياة ناصر في خطر
تتصدّر قضية ابنها الأسير في سجون الاحتلال ناصر أبو حميد (50 عاماً)، الاهتمام، جرّاء إصابته بمرض السرطان، ما أصبح يُهدّد حياته، بعدما بات غير قادر على التحرّك، بسبب تدهور حالته الصحية، ودخوله الغيبوبة، نتيجة مُعاناته من تبعات عملية استئصال ورم سرطاني على الرئة، خلال إجراء عملية له في شهر تشرين الأول 2021، حين قام طبيب غير مُختص بإزالة قرابة 10 سم من مُحيط الورم، وزرع أنبوباً لتفريغ الهواء من مكان العملية، لكن في غير المكان المُناسب.
أعاد الاحتلال الأسير ناصر إلى «سجن عسقلان» قبل تماثله للشفاء، ما أدّى إلى مُضاعفات، وتدهور حالته الصحية، فاضطرت «مصلحة السجون» نقله إلى «مُستشفى برزلاي» في عسقلان، وهو بوضع صحي سيىء يُهدّد حياته.
أصبحت قضيته قضية رأي عام، لكن الاحتلال لم يأبه لهذه المُناشدات، واستمر باعتقاله رافضاً الإفراج عنه.
تفتخر «أم ناصر» أبو حميد بأولادها المُناضلين، وهي التي تُكنّى باسم ناصر، على الرغم من أنّه ليس ابنها البكر، بل يوسف.
تتحدّث عن زيارتها لإبنها، قائلةً: «تمكّنت من زيارته في غرفة العناية المُكثفة في «مُستشفى برزلاي»، وسط حراسة مُشدّدة من شرطة الاحتلال وإدارة السجون، ولم يُسمح لنا إلا بـ10 دقائق.
رفض السجانون السماح لنا بالاقتراب من ناصر، لكن أصريت على ذلك، وطلبت مع ابنتي التأكد من أنه ابني ناصر، وبالكاد تعرّفت عليه، وكان ينام على بطنه وتتصل الأنابيب برأسه.
شرح لنا الطبيب المُشرف على علاجه خطورة وضعه الصحي، بعدما ضُرِبَ جهاز المناعة لديه، إثر إصابته بالتهاب حاد بالرئتين، جرّاء تلوّث جرثومي أدى إلى انهيار عملها».
وجّهت «خنساء فلسطين» مُناشدة من أجل «إطلاق سراح ابني ناصر، وآمل أنْ يتم الإفراج عنه، مع أشقائه من سجون الاحتلال، كي أتمكن من احتضانهم، قبل أن أرحل عن هذه الدنيا، وأناشد الجميع العمل للإفراج عنهم، فوضع ناصر الصحي خطير جداً، وحياته مُهددة، وإذا لا سمح الله أُصيب بأي مكروه، لن أسامح أحداً».
مسيرة نضالية حافلة
تعرض مسيرة حياتها بالقول: «حالياً هناك 5 من أولادي في سجون الاحتلال، هم: ناصر (محكوم 7 مُؤبدات و50 عاماً)، نصر (5 مُؤبّدات، شريف (4 مُؤبّدات)، محمّد (مُؤبّدين و30 عاماً) وإسلام (مُؤبّد واحد).
وقد أفرج الاحتلال عن ابني جهاد، بعدما اعتقله إدارياً في العام 2018، كما أفرج عن أولادي يوسف وشادي وباسم، وكان قد اعتقل أيضاً حفيدي رائد، ابن نصر، قبل أن يُفرج عنه».
عندما أصدرت المحكمة العسكرية» الإسرائيلية في العام 2003، الأحكام بحق الإخوة الأربعة: ناصر، نصر، شريف ومحمّد، بالمُؤبّدات، لم يستأنفوا الأحكام، لأنّهم يرفضون الوقوف أمام محكمة لا يعترفون بها، ويفتخرون بمُقاومتهم الاحتلال، وواثقون بالحرية.
عندما تذهب الحاجة «أم ناصر» إلى المحاكم تتعرّض إلى السب والشتائم والتهجّم عليها من قِبل أهل القتلى الإسرائيليين، ويتعَّمد الاحتلال التضييق عليها في زيارة أبنائها، على الرغم من ذلك، استطاعت أنْ تحقّق انتصارات على السجان بصمودها وعنفوانها، وأيضاً بتسجيل انجازات، فتقول: «ابني نصر هو الوحيد المُتزوّج من بين أشقائه الأسرى، اعتقل في «الانتفاضة الأولى» - «انتفاضة الحجارة» لمُدة 10 سنوات، وأفرج عنه في العام 1999، وتزوّج ورزق بولدين رائد وعائد، وعاد الاحتلال لاعتقاله في العام 2002.
استطعتُ أنْ أخرج «نطفة» لابني ناصر من داخل السجن وتلقيح زوجته آلاء بها، وقد وضعت مولوداً ذكراً في العام 2019، أسمياه يمان. وأرسل ناصر صورة لأسرته، وهو يفتح ذراعيه، حيث أضافت زوجته آلاء صور أبنائهما الثلاثة إلى الصورة وأرسلتها إليه مرة أخرى إلى داخل السجن.
أردتُ أن أُدخِل الفرحة إلى قلب ابني محمد، وهو داخل المُعتقل، فوجدتُ له عروساً، وعلى الرغم من غيابه، أُقيم العرس، ووضعت العروس صورته في الكرسي المُخصّص له، وقد أوصى في شهر كانون الأول 2018، بتبرّعه بأعضاء جسده كافة، بعد وفاته، لكل مريض يحتاج إليها».
تستذكر «أم ناصر» ابنها الشهيد عبد المنعم المعروف باسم «صائد الشاباك»: «لقد استطاع قتل ضابط «الشاباك» الإسرائيلي في الضفة الغربية مع عنصرين في كمين مُحكم نصبه لهم في المنطقة الصناعية القديمة بالقرب من قرية بيتونيا - جنوب رام الله، في 13 شباط 1994، قبل أن يغتاله الاحتلال بتاريخ 31 أيار 1994، بعدما أنهى أداء صلاته في المسجد الأقصى المُبارك، فداهمته القوات الخاصة للاحتلال، وأطلق أفرادها باتجاهه 150 رصاصة».
تعود بها الذاكرة إلى أنّ «الاحتلال اعتدى عليها فقتل جنينها وهي حامل في منتصف الشهر الثامن».
أصعب اللحظات التي مرّت بها «سنديانة فلسطين»، تقول: «عندما أتمكن بعد جهود من زيارة أبنائي وهم داخل مُعتقلات الاحتلال، ولا أستطيع احتضانهم، بل أتحدث وإياهم من خلف زجاج عازل، وما أنْ ينقطع الهاتف، مُنهياً المُكالمة ووقت الزيارة، حتى يزداد الألم، وتكبر الحسرة مع اقتياد السجّانين لهم إلى زنازينهم، لكن أواجه ذلك بصلابة حتى لا يُشاهد جنود الاحتلال أي ضعف أو حزن لدي ويُؤثّرون على معنويات أبنائي».
تُعاني «أم ناصر» أمراضاً مُزمنة عديدة، لكن كل ذلك لم يمنعها من مُواصلة مسيرتها النضالية حاملةً قضية أبنائها الأسرى وفلسطين، فأضحت نموذجاً للمرأة الفلسطينية الصامدة المُعطاءة، التي تُرضع أبناءها مع حليبها حب فلسطين والتضحية لأجلها، غير آبهة بالضريبة التي تدفع: أسراً واستشهاداً وتدميراً للمنازل واعتداءً، وهي التي دفعت كل ذلك، لتُعبر عنه بالقول: «كلّو بهون من أجل فلسطين التي لا تتحرر إلا بتضحيات».
تختم «أم ناصر» حديثها بعزّة وإباء، بتذكّر مُحاولة الضابط الإسرائيلي استفزازها، وهو يهدم لها بيتها أمام عينيها للمرّة الخامسة، لترد عليه: «ذهب الأولاد، فلن أحزن على البيت، إفعل ما شئت، ومهما فعلتوا وهدمتوا بيوتي، واغتلتوا ولادي، وأسرتوا أحبابي، ما رح تهدّوا حيلي».