خاص جنوبيات >جنوبيات
ماذا يعني إسقاط معمل سلعاتا؟
السبت 19 03 2022 18:15غسان حجار
هي خطوة سياسية بامتياز تنذر بنهاية العهد وبدء التعامل معه كالرجل المريض
أقرَّ مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة خطة الكهرباء الموعودة، تلك الخطة التي طال أمدها والتي هدّدنا وزير الطاقة بأن أيّ تعديل فيها يعني نسفها والعودة الى نقطة الصفر، (ربما قصده بنقطة الصفر العتمة وفق تقييم سريالي) ولاحقاً بشّر الوزير اللبنانيين بالانفراج. العبرة ليست في إقرار الخطة، بل في تطبيقها، وإضاءة العتمة. فالخطة تمتدّ على فترة أكثر من سنة، بل سنوات مقبلة، يكون خلالها وزير الطاقة وكل وزراء الحكومة الحالية غادروا مواقعهم، لتأتي حكومة جديدة منبثقة من انتخابات جديدة، (إنْ حصلت)، فتعيد النظر، كما يحصل غالباً، في خطط أُقِرّت سابقاً، وتُدخل عليها تعديلات، بذريعة التأخر في التنفيذ والحاجة الى تطوير وتجديد تارة، أو العقبات والعراقيل تارة أخرى. لم تكن الخطط هي التي تنقصنا، بل الإرادة، أو النيّة الحسنة للمضيّ في هذه الخطط، من دون العرقلات السياسية، بل النكايات السياسية التي حالت وتحول دون التقدّم في كل المجالات.
بَيد أن اللافت في خطة الكهرباء التي أقرّت، إسقاطها معمل سلعاتا من بنودها، وهو المشروع الذي كان يلحّ عليه ويتمسّك به وزير الطاقة الأسبق جبران باسيل وفريقه المؤلف من وزراء بإمرته تعاقبوا على الطاقة، ومِن ورائهم العهد، لأسباب واهية، منها أن يكون للمناطق المسيحية معمل، على غرار معمل الزهراني في الجنوب حيث الشيعة الأكثرية، ومعمل البارد في الشمال حيث الأكثرية سنّية. إنّها فيديرالية معامل الكهرباء، التي تناست معمل الزوق. وما الكلام عن تفكيكه والإفادة من العقار الذي يقع عليه المعمل لاستثماره في شأن آخر، إلا استهتار شديد بعقول اللبنانيين، لأن تخصيص عقار لغير الغاية التي استُملك من أجلها وتغيير الجهة المالكة، أمر معقد. ونذكر موانع تغيير اسم مصلحة السكك الحديد خوفاً من ضياع بعض أملاكها.
لكن العبرة في إسقاط معمل سلعاتا، أو الغاية منه، ليست تقنيّة فقط تجاوباً مع اعتراض الأهالي والبلديات في المحيط، وليست مشكلة في استملاك الأراضي وتكلفتها فحسب، بل هي خطوة سياسية بامتياز، تنذر بنهاية العهد، وبدء التعامل معه كالرجل المريض، وسدّ كل منافذ باسيل للوصول الى قصر بعبدا، والتربّع على كرسيّ الرئاسة. خطوة تهدف الى تسديد ضربة للمرشّح باسيل قبيل الانتخابات، وبالتالي إدخال العهد كله في الموت السريري الذي يعيش فيه، إذ تأتي عملية الإسقاط مباشرة بعد إسقاط الميغاسنتر للانتخابات النيابية المقبلة.
إسقاط معمل سلعاتا يعني أولاً عجز باسيل عن إمرار المشروع، ويعني أيضاً انتصار معارضيه عليه، وهم الى البلديات والأهالي، أحزاب ونواب في طليعتهم "القوات اللبنانية"، وأيضاً تعرية رئيس الجمهورية وشلّ قدرته على التأثير في الأمور بعدما كان مصرّاً على الموضوع ويعتبره حيوياً وقد خسر عدداً من أصدقائه الذين توسّطوا لديه لعدم قيام المعمل ورفضه ذلك.
أمّا عبارات التجميل التي استعملها وزير الطاقة، ومثله وزير الإعلام، لتغطية هذا السقوط، بالإعلان عن إقامة معمل في منطقة ساحلية، لم يحدَّد مكانه ولا زمانه، فليس أكثر من ذرّ الرماد في العيون، وإنقاذ ماء الوجه، خصوصا ان الرئيس نجيب ميقاتي اتفق مع رئيس الجمهورية قبيل الجلسة على عدم تسمية معمل سلعاتا واعلان نهايته من باب التمويه وارضاء للأخير.
ليست بداية النهاية، إذ إن أحداً في لبنان لا ينتهي، لكنّه بالتأكيد مسار انحداري صعب وشاق وموجع.