عربيات ودوليات >أخبار دولية
روسيا ترسم خارطة الشّرق الأوسط الجديد..
روسيا ترسم خارطة الشّرق الأوسط الجديد.. ‎الخميس 24 03 2022 09:52
روسيا ترسم خارطة الشّرق الأوسط الجديد..

جنوبيات

 

"بعد انتصار روسيا ستنتهي الأحاديّة القطبيّة، وسيكون العالم أحسن ممّا كان عليه قبل الحرب".

بهذه الثّقة المطلقة تحدّث الفيلسوف والمفكّر الرّوسي "أليكسندر دوغين" أو "عقل بوتين" كما يحلو للبعض وصفه، باعتباره من أكثر الشّخصيات قربًا من الرّئيس الرّوسي والأكثر تأثيرًا في نظرة بوتين ورؤيته للعالم!

ثقة "دوغين" بانتصار روسيا وتغيّر العالم تظهر ملامحها في الشّرق الأوسط، فما حصل حولنا خلال أسبوعين كان يحتاج أعوامًا لولا اشتعال الحرب في أوكرانيا، وسيحتاج أعوامًا أخرى لفهم أبعاده وتداعياته.

فهل يصدّق عاقل بأن تصبح مصالح إيران أقرب إلى أميركا من روسيا ومصالح "إسرائيل" أقرب إلى روسيا من أميركا؟! 

قد يبدو السّيناريو السّابق، للوهلة الأولى، فرض محال، ولكن لنراجع تسلسل الأحداث التّالية الّتي حصلت بالتّراتب الزّمني بين 4 و23 آذار الحالي:

- وزير الخارجيّة الرّوسي سيرغي لافروف يؤجّل توقيع الاتّفاق النّووي بين إيران ودول الخمسة زائد واحد بعد طلبه "ضمانات من واشنطن بأنّ العقوبات لن تطال تعاون موسكو مع طهران"

- صحيفة "وول ستريت جورنال": البيت الأبيض حاول التّرتيب لمكالمة هاتفيّة تجمع بين الرّئيس الأميركي "جو بايدن" ووليّ العهد السعودي والإماراتي من أجل بناء دعم دوليّ لأوكرانيا ووضع خطّة لمواجهة ارتفاع أسعار النّفط، إلّا أنّهما رفضا الرّدّ عليه. 

- الجمهوريّة الاسلاميّة الإيرانيّة تقصف "أربيل" عاصمة إقليم كردستان - العراق بـ12 صاروخًا باليستيًّا، وتقول أنّها استهدفت مركزًا استخباريًّا تابعًا للموساد الاسرائيليّ قرب القنصليّة الأميركيّة.

- تسريب خبر عن توجّه الادارة الأميركيّة لرفع "الحرس الثوريّ" الايرانيّ من قائمة «الإرهاب» لتسهيل توقيع الاتّفاق النووي.

- زيارة وصفت بالتّاريخيّة قام بها الرّئيس السّوريّ "بشار الأسد" لدولة الإمارات العربيّة المتّحدة بعد عقد من القطيعة العربيّة لسوريا.

- أنصار الله يستهدفون محطة توزيع المنتجات البتروليّة التّابعة لمنشأة "أرامكو" النّفطيّة في مدينة جدّة.

- قمّة ثلاثيّة في منتجع "شرم الشّيخ" ضمّت قادة مصر والإمارات و"إسرائيل". 

هذه بعض المواقف والأحداث الّتي فرزتها العمليّة العسكريّة الرّوسيّة في أوكرانيا قبل انتهائها، فكيف سيكون شكل العالم إذا حقّقت روسيا أهدافها واستطاعت فرض إرادتها على الولايات المتّحدة الاميركيّة وحلف النّاتو؟!

العين الآن على "أوروبّا" في ظلّ التّخبّط الواضح في المواقف حيال الأزمة الأوكرانيّة، فقد فشلت الولايات المتّحدة بفرض إرادتها على دول الخليج العربيّ لزيادة انتاج النّفط والغاز، كما فشلت قبل ذلك بإقناع الدّول الأوروبيّة بفرض عقوبات على مصادر الطّاقة الرّوسيّة.

فقد راحت سكرة التّعاطف وجاءت فكرة المصالح، وفي حسابات المصلحة الأوروبيّة يستحيل تحمّل أعباء اللّاجئين الأوكران، والتَخلّي عن التّبادلات التّجاريّة مع روسيا، خصوصًا وأنّ العقوبات ارتدّت سلبًا على فارضيها، وقد أشار إلى ذلك الرئيس الأوكراني "فلوديمير زيلينسكي" عندما قال بأنّ ألمانيا فضّلت مصالحها الاقتصاديّة على دعم أوكرانيا، بالإضافة إلى آخر ما صرّح به الرّئيس الفرنسي عن ضرورة الحوار مع "موسكو" لضمان أمن أوروبا، مشيرًا إلى أنّ واقع التّاريخ والجغرافيا يفرض علاقة مستقرّة بين الجانبين.

بالعودة إلى الشّرق الأوسط وحساباته المعقّدة، ومع الحديث عن قرب توقيع الاتّفاق النّووي بين الولايات المتّحدة وإيران برزت القمّة الثّلاثيّة في "شرم الشّيخ" والّتي ضمّت أبرز الحلفاء التّقليديين لأميركا في المنطقة لتشكّل رسالة تحذير إلى واشنطن بأنّ التّفاهم مع إيران سيبعد عنها حلفاءها، ورسالة إلى إيران بتكاتفهم ضدّها، مع تخوّف جدّيّ من إقدام "إسرائيل" على عمل عسكريّ أو أمنيّ ضدّ إيران بهدف إعادة خلط الأوراق وقلب الطّاولة على الجميع.

ولم يكن لبنان بمعزل عن تأثيرات الحرب في أوكرانيا، فلأوّل مرّة منذ انكفاء المملكة العربيّة السّعوديّة وبعض دول الخليج العربيّ عن لبنان ترحّب المملكة والإمارات  ببيان رئيس الحكومة اللّبنانية نجيب ميقاتي، والتزامه بإعادة علاقات لبنان مع دول الخليج لطبيعتها.

فلا يمكن فصل هذا التّطوّر الدّيبلوماسيّ عن سياق الأحداث وربطه بزيارة الرّئيس الأسد إلى الإمارات، ولا عن دعوة السّعوديّة الحوثيين إلى طاولة حوار مباشر!

فهل نشهد حلًّا متوازيًا بين لبنان واليمن برعاية سوريّة سعوديّة بعد التّفاهم الأميركيّ الإيرانيّ؟ 

أم أنّ لـ "إسرائيل" رأي آخر في المنطة؟!

في كلا الحالين صدق "دوغين": العالم تغيّر وما قبل الحرب في أوكرانيا ليس كما بعدها..

المصدر : اللواء