بأقلامهم >بأقلامهم
فلسطين بين أربعة شهداء وستّة وزراء
جنوبيات
«لقاء القادة العرب في كيبوتس بالنقب هو «حلم إسرائيلي أصبح حقيقة، حتى قبل 10-15 سنة, كان يمكن اعتباره نبوءة»!
هكذا وصف الخبير في شؤون العالم العربي بمعهد القدس للاستراتيجية والأمن (JISS) هيليل فريش قمّة النّقب..
فلأوّل مرّة منذ تأسيس الكيان الصّهيونيّ يجتمع أربعة وزراء عرب في النّقب داخل الأراضي الفلسطينية المحتلّة بضيافة إسرائيليّة ورعاية أمريكيّة، اجتماع «قمّة» وصف بالتّاريخيّ في الشّكل والتّوقيت والمضمون!
لكنّ ثلاث عمليّات نوعيّة، في الشّكل والتّوقيت والمضمون، نفّذها أربعة فدائيين فلسطينيين أعادت التّذكير بحقيقة التّاريخ والجغرافيا، في ما يخصّ القضيّة الفلسطينيّة الّتي تناساها الوزراء السّتّة.
بالعودة إلى القمّة السّداسيّة؛ في الشّكل استطاعت الولايات المتّحدة الأمريكيّة كسر الحواجز النّفسيّة بين الدّول العربيّة و«إسرائيل»، فتداعى وزراء خارجيّة كلّ من مصر والامارات والبحرين والمغرب إلى النّقب من دون مشاركة السّلطة الفلسطينيّة، وجاء تصريح وزير خارجيّة الامارات العربيّة المتّحدة عقب انتهاء الاجتماع ليعبّر عن حجم التّحوّلات الّتي طرأت على المنطقة انطلاقًا من التحوّلات الكبرى الّتي يشهدها العالم بعد بدء الحرب الرّوسيّة في أوكرانيا.
تحدّث الوزير الاماراتي باندفاعة لافتة، في مقابل الاستدراك المصري لاندفاعة أخرى عبّر عنها وزير خارجيّة مملكة البحرين الّذي أعلن عن تشكيل حلف «ناتو عربي» في مواجهة إيران، فقال الوزير «سامح شكري» ردًّا على سؤال: «مشاركة مصر ليست بالتّأكيد لإنشاء أيّ تحالف أو موجّهة ضدّ أيّ طرف»، لينأى بمصر عن أيّ صراع مباشر محتمل مع إيران.
أمّا في التّوقيت، فتأتي القمّة على مفترق متغيّرات كبيرة يشهدها العالم والمنطقة، فما بعد الحرب في أوكرانيا ليس كما قبلها، وإذا كان الغرب قد سلّم، بطريقة أو بأخرى، بالواقع الميدانيّ الّذي فرضته روسيا في أوكرانيا فإنّ الحرب تأخذ منحى آخر يرتبط بالطّاقة، ومعلوم أنّ دول محور «النقب» ستتولّى مسألة الغاز في شرق البحر الأبيض المتوسّط، مع السّعي الدّؤوب الّذي يبذله الغرب لإيجاد مصادر طاقة بديلة عن روسيا للامعان في عزلها عن محيطها الأوروبيّ وتدمير اقتصادها عقابًا لها على طموحاتها في وجه الأحاديّة القطبيّة الّتي تمثّلها الولايات المتّحدة الأمريكيّة، علمًا بأنّ الصّراع أخذ منحىً اقتصاديًّا بعد فرض روسيا على الدّول «غير الصّديقة»الدّفع بالرّوبل مقابل الغاز مع بدء الحديث عن توجّه روسي لفرض عملتها على جميع تبادلاتها التّجاريّة وليس فقط الغاز، وهذه الخطوة ستشّجع الصّين على مقابلتها بالمثل، فقد ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» في وقت سابق بأنّ السّعوديّة تدرس إمكانية قبول اليوان الصّيني بدلا من الدّولار في مبيعات النّفط للصيّن!
وإذا كان الحديث عن قرب توقيع الاتّفاق النّووي الايرانيّ سببًا مباشرًا لتسريع عقد القمّة، فثمّة تباين واضح بين تصريحات الأوروبيين الّذين يؤكّدون على قرب التّوقيع وبين تصريحات أمريكيّة بدأت تتحدّث عن عثرات وتعقيدات قد تؤخّر التّوقيع وربّما تنسف الاتّفاق من أساسه!
ولكن ما البديل، هل هي الحرب؟
لا يستبعد محلّلون أن تكون قمّة النّقب واللّقاءات الّتي سبقتها في شرم الشّيخ والعقبة عبارة عن رسائل ردع وتهديد وضغط على إيران مفادها بأنّ عدم توقيع الاتّفاق لا يعني العودة إلى المساكنة الّتي رافقت فترة خروج ترامب من الاتّفاق عام 2018 حتّى اليوم، وبالتّالي فإنّ حلفًا جديدًا بقيادة «إسرائيل» ورعاية أميركا يستعدّ للمواجهة.
هذا الضّغط السّياسيّ والاستراتيجيّ الّذي غيّب القضيّة الفلسطينيّة أعاد «إسرائيل» 17 عامًا إلى الوراء، فلم تشهد فلسطين المحتلّة ثلاث عمليّات فدائيّة نوعيّة في زمانها ومكانها ونتائجها.
11 قتيلًا في أقل من 10 أيّام، داخل الخطّ الأخضر، والأخطر في حسابات الكيان الاسرائيلي أنّ منفّذي العمليّات هم من الجيل الّذي عمل الاحتلال على صناعته بعيدًا عن هموم القضيّة الفلسطينيّة آملًا بخلق بيئة آمنة منزوعة الذّاكرة الوطنيّة والقوميّة، فإذا به أمام فشل استراتيجيّ وخيبة معنويّة..
يأتي كلّ ذلك وسط تخوّف أمنيّ إسرائيليّ من اندلاع انتفاضة شعبيّة خلال شهر رمضان المبارك، حسب تقارير استخباريّة ومقالات تحليليّة عدّة، تخوّفت من التّحوّل الّذي شهدته مناطق ما يسمّي «عرب 48» بعد عمليّة «حارس الأسوار» الّتي واجهتها المقاومة الفلسطينيّة في غزّة بعملية «سيف القدس» واشتعلت أثناءها صدامات بين الفلسطينيين واليهود داخل الخطّ الأخضر!
فهل تخلط دماء الشّهداء أوراق الوزراء؟