مقالات هيثم زعيتر >مقالات هيثم زعيتر
«أم علي» ياسين «أيقونة» بالصبر والصمود
جنوبيات
رحلت الحاجة جميلة ناصر «أم علي» زوجة محمد ياسين، والدة الأسير المُحرر أنور ياسين، في العقد التاسع من عمرها.
أغمضت عينيها في مسقط رأسها بلدة الدلافة - قضاء حاصبيا، هناك عند مُثلث الصمود بين لبنان وفلسطين وسوريا.
مسيرة الحاجة، التي ارتبطت بحب الأرض، وأمضتها بالعمل بها ولأجلها، وها هي ترحل في يوم الأرض الفلسطينية، وتوارى ثرى بلدتها، وعيونها شاخصة إلى فلسطين، التي أحبّت وعشقت، وقدّمت كل ما تملك من أجلها.
تعرّفنا إلى الحاجة «أم علي» خلال فترة اعتقال الاحتلال الإسرائيلي لنجلها أنور، بعد تنفيذه عملية بطولية يوم 16 أيلول/ سبتمبر 1987 في جبل الشيخ، حملت اسم «جمال ساطي» من «الحزب الشيوعي اللبناني» في ذكرى إنطلاقة «جبهة المُقاومة الوطنية اللبنانية»، قُتل فيها 3 جنود إسرائيليين، قبل أن يتم أسره، وكان حينها في الـ19 من عمره.
تعرّض إلى أقسى وأبشع أنواع التعذيب من المُحتلين، قبل أن يزجّ به في سجونه، التي استمر بها لمُدة 17 عاماً، وتشاء الظروف أن يكون و«عميد الأسرى العرب» سمير القنطار في زنزانة واحدة، حيث احتضنتهما هناك الوالدة الفلسطينية «أم جبر» وشاح.
لم يكن أي اعتصام أو نشاط داعم للأسرى، ومُطالب بالإفراج عنهم، إلّا وتكون الحاجة «أم علي» في طليعة المُشاركين به.
بقيت بانتظار تلك الفرحة، التي تحققت بعدما أُطلق سراح نجلها أنور في صفقة التبادل في 29 كانون الثاني/ يناير 2004.
احتضنته وقبّلته وشمّته، في لحظة كانت تبتهل فيها إلى المولى عزّ وجلّ، أن تتحقق قبل أن ترحل عن الدنيا.
بكت فرحاً، وهي التي أخفت الدموع في مُقلتيها حتى لا يستخدمها المُحتل بالتأثير على معنويات فلذة كبدها.
أقامت لسنوات عدة في بلدة الرميلة - جنوبي مدينة صيدا، إثر الاحتلال الإسرائيلي لبلدتها الدلافة، إلى أن عاد التحرير الذي اكتمل بفرحة تحرير نجلها، فعادت إلى البلدة تزرع حقلاً وحكورة بغرس تأكل منه الأجيال المُقبلة.
الحاجة «أم علي» التي أدَّت مناسك الحج وزيارة الأماكن المُقدّسة، وأصبحت مرجعية من قبل نساء البلدة للتشاور معها في تدبير الكثير من الأمور.
كانت تُمني النفس أن تزور الأراضي الفلسطينية وقد تحررت من الاحتلال الإسرائيلي.
ترحل الحاجة «أم علي» لتوارى الثرى في أرض مُباركة بجوار أرض فلسطين المُقدسة.
رحم الله الحاجة الفاضلة وأسكنها فسيح جناته، وألهم أهلها ومُحبّيها الصبر والسلوان.