ثقافة وفن ومنوعات >ثقافة وفن ومنوعات
نوال برّي تصرّفت مثل من وصفتهم "بالزعران"!
الجمعة 30 09 2016 12:04
في الذكرى الأولى لانطلاقة الحراك الشعبي، اختارت محطة MTV المراسلة نوال برّي لتقوم بمهمة التغطية المباشرة. لم يدم البثّ المباشر لحظات، لأن برّي قررت قطعه قبل تقديم أي معلومة أو توصيف للاعتصام. آنذاك، وقف شبانٌ خلف المراسلة وهتفوا "كبير العيلة حرامي كبير العيلة جوّعنا..."، ما استفزّ الشابة وأغضبها، فوصفتهم "بالزعران"، وشكرت وغادرت. لاقى تصرّف برّي ردود فعل متباينة. ثمة من أيّدها على اعتبار أنها انتصرت لكرامتها إثر ما اعتبرته إهانتها بالشخصيّ، وثمة من عارض فعلتها بشدّة مذكراً إياها بأصول مهنة الصحافة وقواعدها العامة وعلى رأسها التحلي بالموضوعية والترفع عن المزاجية والابتعاد عن التسرّع. أعيد في المناسبة نشر مقاطع فيديو لمراسلين ومراسلات من فلسطين المحتلة، لم تمنعهم استفزازات بل اعتداءات العدو الاسرائيلي من استكمال رسالاتهم في التقارير أو خلال البثّ المباشر.
منذ أيام، أعدّت برّي تقريراً عن طلاء جدران نفق طريق المطار وتنظيفه في إطار تجميل واجهة بيروت، فأقدمت في ختامه على الكتابة على الحائط بواسطة "السبراي" ما يلي: "برافو! الحيط نضف! بس روايح السموم.. لمين تاركينا؟!!".
هذا التقرير تحوّل بدوره الى مادة جدلية بامتياز. صفحة "وينيه الدولة" شنّت هجوماً قاسياً على المراسلة، سائلة "من سيحمل سقطات نوال بري"، واصفة ما قامت به بـ "فعل مشين طفولي غير محترف يستوجب التوقف عنده". وتضمن منشور "وينيه الدولة" عبارة "صحافية تقوم بتشويه مدخل مدينة بيروت"، مذكراً بأن "ما قامت به بري جريمة يعاقب عليها القانون اللبناني تحت المادة 707 عقوبات".
المفارقة أن برّي تصرّفت من حيث تدري أو لا تدري، مثل من وصفتهم "بالزعران"! فمنذ شهر تقريباً ولدى البدء في تنفيذ مشروع طلاء جدران طريق المطار، قام شبان من الحراك المدني بكتابة عبارات على الحائط، في محاولة لتذكير السلطة السياسية بفسادها وبمسؤوليتها عن أزمة النفايات، ومن ضمنها "نظفتوا الحيط ووسختوا البلد"، "حكومة الزبالة"، و"كلن يعني كلن"، وورد بعضها مرفقاً باسم حملة "#طلعت_ريحتكم".
آنذاك، وصفت صفحة "وينيه الدولة" الشبان الذين كتبوا على الحائط بـ "الشعب البجم". وبطبيعة الحال، انقسم الرأي العام اللبناني، فصار مؤيداً لحملتين: الأولى تدافع وتتبنى مشروع تنظيف مدخل بيروت وتجميله، والثانية تقودها "حملة طلعت ريحتكم" وهي تهزأ من فكرة طلاء الحائط بالأبيض فيما تغمر النفايات معالم الشوارع، وتجتاح الروائح النتنة (روائح الزبالة والفساد) فضاء لبنان.
هكذا إذاً، جمع حائط طريق المطار المراسلة نوال برّي بشبان الحراك المدني. بات الطرفان "المتخاصمان"، في خندق واحد، وموضع اتهام وانتقاد. ما عاد بإمكان بعض من اتهم بري بالابتعاد عن "موضوعية" الصحافة حينما أقحمت المسألة الشخصية في تغطية مباشرة، إلا أن "يبارك" نسفها أهم أسس مهنة الإعلام، تلك التي تحتّم التقيّد بالقوانين العامة ونقل الخبر من دون إثقاله بالآراء والمواقف الشخصية!
والحال أنه بات من باب المنطق، أن تتراجع برّي عن وصف شبان الحراك المدني "بالزعران"، فهم في نهاية المطاف كانوا ولا يزالون يحملّون السلطة الحاكمة (كلن يعني كلن) مسؤولية تسميم اللبنانيين وقتلهم ببطء، تماماً مثلما أوحت بري بسؤالها الذي دوّنته على الحائط النظيف.. إلا اذا كانت تتوّجه باستفسارها (لمين تاركينا) إلى مخلوقات فضائية، أو الى كلّ المسؤولين باستثناء "كبير العيلة"!
يحق لبري طبعاً أن تؤيد من تريد من السياسيين وأن تحبهم وتلتقط ما شاءت من "سيلفي" معهم. في هذه الأيام، بات يحق لبري ولجميع العاملين في مهنة الإعلام المشاركة في "صناعة" الرأي العام، وعدم التردد في ابداء بعض المواقف الشخصية التي تخدم المصلحة العامة، شرط تقبل النقد والترحيب بالنقاش. لكنّ المهمة هذه، دقيقة وصعبة للغاية! فيها من الصعوبة ما كان يحتّم على المراسلة المضي في قراءة رسالتها أثناء البثّ المباشر وتضمينها المشاهدات الحيّة "المستفزة"... وفيها من الصعوبة ما كان يحتّم على المراسلة تصوير شبان الحراك المدني اثناء "تجميلهم" الحائط بعبارات ترفض حياة النعامة والذلّ.