بأقلامهم >بأقلامهم
بالنظام - القاتل الاقتصادي
بالنظام - القاتل الاقتصادي ‎الجمعة 8 04 2022 11:55 زياد شبيب
بالنظام - القاتل الاقتصادي

جنوبيات

عملية التفاوض التي أجرتها الحكومة اللبنانية مع صندوق النقد الدولي وصلت إلى النهاية. وقد أعلن بالأمس التوصل إلى الاتفاق بشأن السياسات الاقتصادية من أجل تمويل لبنان من قبل الصندوق بقيمة ثلاث مليارات دولار على مدى أربع سنوات، وفي الاتفاق بنود تتعلق بالتشريعات والإصلاحات التي على لبنان إقرارها، ما تزال في دائرة السرية لسبب مجهول.
 
الخبر أُعلن عنه في شكل يفترض بأنه إنجاز كبير كفيل بالإنقاذ أو بإعادة الأوضاع إلى ما قبل الانهيار، وهو أمر مستحيل، ولكن "الغريق يتعلق بحبال الهواء" كما يقول المثل الشعبي.
 
كان لافتاً أن النظرة إلى صندوق النقد خلال مسيرة التفاوض معه بعد الانهيار المالي والنقدي تبدلت بصورة جذرية. ففي البداية كان الحديث عن دخول الصندوق إلى لبنان كنوع من الخيانة أو الاستسلام وبأنه تسليم اقتصاد البلد إلى مؤسسة دولية تمثل الرأسمالية العالمية مهمتها عادةً وضع اليد على البلدان التي تتمتع بموارد وثروات طبيعية. ولاحقاً خفتت الأصوات المناهضة لهذا المسار وتلاشت إلى أن بلغنا مرحلة الاتفاق التي علينا كما يبدو الاحتفال بنتائجها.

وبالنسبة لسمعة الصندوق، ينبغي العودة إلى كتاب جون بيركنز "اعترافات قاتل اقتصادي". فعلى رغم كون صندوق النقد الدولي تابعاً للأمم المتحدة ومهمته دعم الاقتصاد العالمي، والمعاملات التجارية بين الدول، فإنّه عادة ما يتم اتهامه، بحسب بيركنز، بكونه أحد أدوات الشركات العالمية لبناء إمبراطورية تسيطر على اقتصاد العالم، وتنهب وتدمر اقتصاد الدول النامية. ولكن في حالة لبنان لم يكن صندوق النقد القاتل الحقيقي.

اقتصاد لبنان تم اغتياله على يد من تولوا قراره، وجرى ذلك على مراحل، ومن قبل قتلة عديدين اعتمدوا نهج الاستدانة من دون أفق أو استفادوا منه واستثمروا فيه، من دون بناء اقتصاد منتج، وتمت مداواة داء الاعتماد على الدين بالمزيد منه، إلى أن سقط الهيكل.

في مرحلة الانهيار اتخذت قرارات قاتلة أيضاً. وقبل عامين أعلن رئيس الحكومة السابق حسان دياب توقّف الدولة اللبنانية عن دفع مستحقات الدين العام، وقال بأننا "نواجه اليوم استحقاقا كبيراً، تبلغ قيمته نحو 4.6 مليارات دولار من سندات اليوروبوند وفوائدها"، والذريعة كانت أن "احتياطاتنا من العملات الصعبة قد بلغ مستوى حرجاً وخطيراً ما يدفع الجمهورية اللبنانية لتعليق سداد استحقاق 9 آذار من اليوروبوند، لضرورة استخدام هذه المبالغ في تأمين الحاجات الأساسية للشعب اللبناني"، وأكّد في خطابه الذي أحيط آنذاك بحملة من الدعاية لتصويره عملاً بطولياً، بأن الدولة اللبنانية ستسعى "إلى إعادة هيكلة ديونها، بما يتناسب مع المصلحة الوطنية، عبر خوض مفاوضات منصفة، وحسنة النية، مع الدائنين كافة."

التفاوض مع الدائنين، وهم بمعظمهم من المصارف اللبنانية أي أن الأموال متكونة بشكل أساسي من الودائع، كان يجب أن يحصل قبل التوقف عن الدفع وليس بعده طبعاً، ولكنه لم يحصل أبداً. وبدلاً من ذلك استنزفت الاحتياطات من العملات الصعبة في ما سمّته الحكومة دعماً لسلة من السلع المستوردة ذهب معظمها إلى خارج الحدود. والمبالغ المبددة بلغت أضعاف التي نستجديها اليوم من صندوق النقد الدولي ونرهن البلاد لأجلها.

سلوك الجماعة الحاكمة لا يمكن تفسيره إلا بأنها عاجزة عن الحلول الجدّية وأنها تدرك بأن عودة لبنان إلى توازنه السياسي تعيده إلى عمقه العربي وتعيد العرب إليه وهذا مفتاح الحل المالي والاقتصادي، وهي تكسب الوقت بانتظار ذلك.

المصدر : النهار