بأقلامهم >بأقلامهم
أبو الفقراء والعطاء الشامل
أبو الفقراء والعطاء الشامل ‎الاثنين 18 04 2022 09:47 القاضي م جمال الحلو
أبو الفقراء والعطاء الشامل

جنوبيات

إنّها قصّة مِن عبَر التاريخ المشرّف أرويها لكم، وهي من مخزون الذاكرة.
(دمشق 1914-1918)
في الحرب العالميّة الأولى، وقعت مجاعة "سفر برلك" ففتحت البطريركيّة الأرثوذكسيّة في دمشق أبوابها لإطعام الجيّاع والوافدين من بيروت بدون تمييز بين دين أو مذهب. ارتفع سعر القمح كثيرًا فاضطرّ البطريرك إلى رهن أوقاف البطريركيّة والأديرة كلّها، وباعَ أواني الكنائس الذهبيّة والفضّيّة ومُقتنياتها ليشتري القمح وينقذ الناس من شبح المجاعة القاتل. وكان كلّ من يمرّ بالكنيسة المريميّة يأخذ رغيفًا من الخبز يقيه الجوع. وفي أحد الأيّام اشتكى الخوري الذي يوزّع الأرغفة من كثرة عدد المسلمين فرفع البطريرك الرغيف وسأله: هل كُتب عليه للمسيحيّين فقط؟

فأجابه: لا. 
فقال: عليك توزيع الخبز بمعدّل رغيف يوميّ لكلّ من يريد. وتدريجيًّا، لم يبقَ شيء من أملاك البطريركية إلّا وتمَّ رهنه. وفي أحد الأيّام، طلب متسوّل من البطريرك حسنةً، فسأله أحد الإكليريكيّين المرافقين له عن طائفته، فانتهره البطريرك قائلًا: هل تمنع عنه الصدقة إذا كان من طائفة غير طائفتك؟ ألا يكفيه ذُلًّا أنّه مدّ يده إليك لتُذِلَّه بسؤالك عن عقيدته؟! 
رثى الشيخُ مصطفى الغلاييني البطريركَ بقوله: نعيتُ إلى أمّي العجوز نبأً مفاده: لقد أصاب العرب مصاب عظيم أليم، فأجابتني: هل مات البطريرك أبو الفقراء؟

توفّي البطريركُ العامَ 1928 فنُقل جثمانه بموكب نادر المثال من بلدة سوق الغرب إلى بيروت حيثُ عُرض جثمانه في الكاتدرائيّة لإلقاء نظرة الوداع الأخير. ثمّ نُقل إلى دمشق على عربة مدفع. شارك في تشييع جثمانه 50 ألف مسلم، وأرسل الملك فيصل الأوّل مائة فارس من الخيّالة إلى دمشق ليشاركوا في مراسم التشييع. كما أطلقت الحكومة السوريّة مائة إطلاقة مدفع حال وصول جثمانه إلى سورية. بكاه المسلمون قبل المسيحيّين وكانوا يلقبّوه ب"أبي الفقراء".
إنّه العطاء الشامل الذي لا يميّز بين المحتاجين لا على أساس الدين ولا على أساس البيئة المغلقة.
إنّه البطريرك التاريخيّ غريغوريوس حدّاد 1869_ 1928.

المصدر : جنوبيات