عام >عام
سجالات ومماحكات على قارعة الطريق.. لبنان إلى أين؟
السبت 28 05 2022 10:08د. حسين عبيد
تسود حال من السجالات والمماحكات في لبنان هذه الأيام، في ظلّ طروحات، كلّها تدين النظام الطائفي وتمجّه، وتلعن ظلاميّة الطوائفيّة، وكل ما يمّت لها بصلة، وتأتي الحلول من كل حدب وصوب بوعودها البراقة وادّعائها الإمساك بالحقيقة، وعدا ذلك، في تصورها، هو هرطقة وبدعة.
من الحلول الفدرلة، واللّامركزيّة، العلمنة، الدولة المدنيّة، تطوير الطائف، إنهاء الطائف، تحرير لبنان، السيادة، الاستقلال، الحياد، وغيرها من الأطروحات، ولو تتبعت، ما يُطرح من خلال وسائل التواصل، لوجدت حوالي أربعة ملايين منظّر، والكل يدلو بدلوه، إن من ضمن جماعة منتمية ومنظمة، أو من بيئتها، أو من يملك رأيًا مستقلًا.
الكلّ يطرح أفكاره ومشاريعه وحلوله وإنجازاته، وهنا نسأل من هو مُنتجها؟ وعلى من يطرحها؟ وهل هناك من يسمعها؟ وما الهدف منها؟ إلى غير ذلك من الأسئلة.
قد يطرح البعض أفكاره، وهو يعي تمامًا القصد وهو على دراية تامة بمدلولاتها المفهوميّة والاصطلاحيّة، وقد ينساق البعض تحت نزوة عابرة أو سقطة، أو زلّة لسان، وبالتالي هو معبّر عن مكنون داخلي، مستبطن في الذات، بشعور جمعي، في ظل حال من التململ والتحلّل، والتفكيك في الساحات المختلفة، بانتظار أن تتوضح بالكامل صورة التحالفات المقبلة.
وفي كل الأحوال في الأمر مصيبة، لأنّ ما يتم الإدلاء به يتساقط في ساحات ملتهبة، مثقلة بالطائفيّة والعصبيّة والغرائزيّة والجهل والحقد والخبث وكل أنواع الموبقات السياسيّة والإعلاميّة والاقتصاديّة والماليّة والثقافيّة المؤدلجة، وأكثر من ذلك، تداخل هذه الموبقات بأطراف خارجيّة تتصارع، وتحاول كل منها أن يحقق في هذه المرحلة مكسبًا.
للأسف، في كل هذا الضجيج، ونحن نتقاذف التّهم، نمحو فيه الصورة الحقيقيّة، ونظهّر صور الخداع والتزييف والتضليل، ونساهم في إنتاج صورة مشوهة للبنان. هذا اللّبنان الذي طالما تغنينا بجماله وملائكيته ورساليته وخلوديته، وكلنا يعلم، وكلّ على طريقته وتفسيره، كيف تشكّل هذا اللّبنان، وكيف سارت الأمور فيه على الأقل منذ إعلان دولة لبنان الكبير حتى هذه اللّحظة، وقد سبق وأشرنا في أكثر من مناسبة أنّ النظام في لبنان مولّد للأزمات، ومع الوقت هذه الأزمات تتفاقم ويستفحل خطرها.
في ظل الطروحات والطروحات المضادة، مع احترامي، لكلّ الطروحات، والتي قد يجانب بعض ما في مضامينها من صواب، فإنّها، في هذا الوضع المتأزم والملتهب، لن تحلّ مشكلة، ولن تقدّم حلًّا، بل هي إلى مزيد من التردّي، ولا يتصورنّ أحدّ أن الحلّ بيدكم، الحلّ عند الأقطاب المتصارعة على الصعيد العالمي، ولا تنسوا أنّ لبنان، وبعظمته، هو على الخريطة العالميّة، ومنذ تأسيسه، ساحة من ساحات الصراع، وأداة من أدواته، وقد يكتسب أهميته لوقوعه على حدّي الصراع بين العدو الصهيوني الغاصب، من جهة، ومحور المقاومة، من جهة أخرى، كما في انخراطه بمنظومة الصراع بين أنظمة عروبيّاتيّة ضلّت المفهوم الحقيقي للهويّة العربيّة، بل ربما وصل حال الانحلال إلى نصب كمائن العداوات والحقد لبعض المكونات اللبنانية، وينبغي تحرير الوطن منهم، وهو ما كان تتويجًا لأهداف مشبوهة، شكلت الشعار الأساس للحملات الانتخابية، بدل التركيز على خطاب المحبة والتعاون والتعاضد، وخوض الانتخابات ببرامج شريفة، تبغي فعلًا مصلحة لبنان واللبنانيّين، وهو ما سيولد، إن لم نقل ولّد شرخًا عميقًا في ذاكرة الانعاش لدى اللبنانيين، وبالتالي ليدل دلالة واضحة على الذهنيات الاستئصالية والحاقدة المتحكمة بهؤلاء...
بالمحصّلة، نشهد موجات تصاعديّة من صراع متأصل ومتجدّد في آن، هو الصراع على الهويّة، وإن تمظهر بطروحات سياسيّة أو إداريّة أو ماليّة، بين من يعتبر الكيان الصهيوني عدّوًا ويشكّل خطرًا وجوديًّا على لبنان، وبين من يعتبر هذا الكيان أمرًا واقعًا، ولا يشكّل خطرًا عليه، بل قد يرى فيه صديقًا يركن إليه في مواجهة عدّو لمكون داخلي يتشابك معه بميثاق العيش المشترك. إنّه نفير الجماعات المتناقضة بأطروحاتها وانتماءاتها المعقّدة والمتشابكة.
وهكذا سيبقى الصراع محتدمًا إلى أن تُرسم الصّورة التي سيكون عليها النظام العالمي الجديد. فهل سيبقى لبنان على حدّي الصراع، أم أنّه سينخرط بإحدى منظومتيه وكلّيتيه؟ أم.... ؟
(باحث في القضايا الفكريّة والتاريخيّة)