بأقلامهم >بأقلامهم
بلديات لبنان.. الأزمة منذ 2019 أكدت على دورها التنموي والاجتماعي
جنوبيات
اذا كانت البلديات قد ظهرت أولى ملامحها للمرة الأولى في تاريخ لبنان عام 1864،وكانت في دير القمر، حيث ولد اول مجلس بلدي كان مركباً من وجاهات البلدة وعائلاتها البارزة،وبعدها بثلاث سنوات وتحديدا في عام 1867 أنشئت بلدية بيروت، وفي عام 1877 صدر قانون البلديات العثماني .
انئذ، رات السلطات السلطة العثمانية في مشروع البلديات خلاصاً لها من الأزمات التي تعاني منها، إلا أن هذه السلطات المحلية، لم تحدث تغييراً نوعياً في التركيبات البنيوية والاجتماعية والاقتصادية بسبب عدم منحها الصلاحيات الكاملة، كما انها كانت استنساخا عن التجربة العثمانية حديثة الولادة، فبليدية دير القمر مثلا، كانت نموذجا مشابها لبلدية اسطنبول التي ولدت عام ١٨٥٦.. في السنوات اللاحقة، تشكّلت بلديّات في مدن لبنان الرئيسيّة لا سيّما صيدا وطرابلس وذلك خلال موجة التنظيمات، وعرفت البلديّات نهضة جديدة خلال فترة الإنتداب الفرنسي الّذي تمكّن، جرّاء نفوذه، تطوير الإدارات العامّة. فقد أراد الفرنسيون تأسيس إدارات في لبنان تشبه النموذج السائد في الغرب، ومنذ العام 1928 كان القرار 1208، الذي نص في المادة 19 منه أن عدد ممثلي كل الطائفة يرتبط بنسبة عدد ناخيبها، لكن التركيبة المجتمعية التي كانت سائدة في زمن العثمانيين لم تتغير، إذ استمر أعيان ووجهاء العائلات الكبرى باحتكار المقاعد البلدية.. وفي آخر انتخابات بلدية أجريت في عهد الانتداب، في العام 1934، حاز أغلب مقاعدها أفراد من عائلات معروفة في ممارسة «وظائف السلطة المختلفة».
في هذه الانتخابات، كانت العائلات تحشد، وكانت هناك مراقبة شديدة على العملية الانتخابية لكونها محصورة في منطقة معينة، ما يعطي زخماً لها. وقد كان التنافس شديداً بين العائلات الكبرى في المناطق المختلفة، ويعود ذلك الى أهمية البلدية بالنسبة للمواطنين.
لقد كان دور البلديات مرتبطاً بالسلطة المركزية التابعة لسلطة الانتداب. فقد كانت مجبرة أن ترسل قرارتها الى القائمقام، فالمحافظ، فالحاكم الإداري. وقد كانت لها صلاحيات التقرير بشكل منفرد في المسائل المتعلقة بكيفية إدارة البلدية، وشراء عقارات لا تزيد قيمتها عن عشر الدخل البلدي، والقيام بمشروعات واصلاحات شرط ألاّ تزيد قيمة الانفاق عن خمس الدخل البلدي، وتأمين الأملاك البلدية عند شركات الضمان، وإلى آخره. لكن هذه الحرية لم تكن مطلقة، اذ كان كان يحق للمحافظ، وهو معيّن من السلطة الانتدابية، أن يلغي القرارات المتخذة خلال 15 يوماً من دون الرجوع إلى البلدية.
مع بدء مرحلة الاستقلال، لم تجرِ أي انتخابات بلدية الا في العام 1952، لكن من دون أي تطور نوعي على مستوى الإدارة المحلية، ولكن يسجل هنا بادرة هامة بانضمام النساء إلى المجالس البلدية، بعدما تم تعيين ثلاث نساء في المجلس البلدي لبيروت، في العام 1952، هن: ابتهاج قدورة، لور ثابت وإيلين ريحان، علماً أن النساء لم يحصلن على حقهن بالتصويت والتشرح للانتخابات إلا في العام 1953.
اما اول انتخابات نوعية على المستوى البلدي فكانت في نهاية عهد الرئيس فؤاد شهاب في العام 1963. والتي جرت وفق قانون البلديات رقم 63 في العام 1963، رافقه تطور في توظيفها أو استغلالها. اذ شكلت البلديات ركيزة أساسية وقاعدة شعبية للانخراط في العمل السياسي ومؤسسات الدولة، وتأكيداً على النفوذ الشعبي للزعامات السياسية الساعية للوصول إلى النيابة أو الوزارة، وهذا ما عزز، مرة أخرى، نفوذ العائلات نفسها.
ومنذ العام 1963، لم يشهد لبنان أي انتخابات بلدية، بحكم تأجيلها ومن ثم بسبب الحرب الاهلية (1975 - 1989 ).
في العام 1977 أُقرّ قانون للبلديات و عُدّل عام ١٩٩٧. وفي عام ٢٠٠١، تمّ طرح مشروع قانون لكنّه ما زال قيد الدرس في البرلمان.
ينصّ البند الأوّل من المرسوم التشريعي رقم ١١٨ الصادر في ٣٠ حزيران عام ١٩٧٧ على : «البلديّة هي إدارة محليّة تمارس الصلاحيّات المعطاة لها من القانون ضمن إيطار أراضيها».
يتمّ إنشاء البلديّة بقرار من وزير الداخليّة والبلديّات. ويحدّد هذا القرار مدى صلاحيّات البلديّة الّتي ليست بالضرورة مرتبطة بالمساحة الجغرافيّة أو بالسجلّ العقاريّ للمحلّة.
وفي الأعوام : 1998، 2004، 2010 و2016 شهدت البلاد انتخابات بلدية واختيارية ، وحين موعد في العام الحالي تزامن مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية، فتم تأجيلها لمدة عام كامل ، علما ان الواقع البلدي في لبنان يعاني من الكثير من الشوائب والعقبات التي تعوق العمل البلدي وانتاجيته. وأظهرت الأزمة الإقتصادية والمالية المتفاقمة يعاني منها لبنان منذ العام 2019، انّه لا يمكن الإتكال كثيراً على الدولة. وبدل ان تساعد الإدارات العامة البلديات فإنّ هذه الأخيرة، حتى تلك الموجودة في بلدات صغيرة، هي التي قدّمت الدعم اللازم للإدارات والمؤسسات العامة العاملة في النطاق البلدي من تجهيزات لوجيستية وقرطاسية ومعدّات...، وساعدتها في إنجاز مهمتها في تقديم الخدمات للمواطنين. وبذلك اثبتت التجربة انّ البلديات في لبنان هي النواة الصلبة الأساسية لعملية التنمية وتطوير المناطق. والنجاح في اختيار رؤساء بلديات وأعضاء مجالس بلدية يتمتعون بالكفاءة، يوفّر المدماك الأساس لإنطلاق عملية التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في مختلف المناطق، فكيف سيكون الحال لو توفر للبلديات الوسائل والامكانيات والقانون الذي يجعلها إدارة محلية حقيقية.