بأقلامهم >بأقلامهم
"إضاءات من مخزون الذّاكرةِ"
"إضاءات من مخزون الذّاكرةِ" ‎الأحد 26 06 2022 09:16 القاضي م جمال الحلو
"إضاءات من مخزون الذّاكرةِ"

جنوبيات

من حكايا جدّتي(طيّب الله ثراها).
ذات يوم شعرَ والي دمشق (أسعد باشا) بأنّ الولايةَ في أزمةٍ ماليّةٍ، وكانت بحاجةٍ للمالِ بسببِ النّقصِ الحادِّ في مدّخراتِ الخزينةِ، فجمعَ مستشاريه وطرحَ عليهم الموضوعَ وطلبَ منهم إيجادَ الحلولِ النّاجعةِ للخروجِ من الضّائقةِ الماليّةِ. فاقترحَت عليه حاشيتُه أن يفرضَ ضريبةً على صنّاعِ النسيجِ في دمشق، فسألَهم (أسعد باشا): وكم تتوقّعون أنْ تجلبَ لنا هذه الضريبةِ؟ أجابوا : من خمسين إلى ستّين كيسًا من الذّهبِ. فقال (أسعد باشا) : ولكنّهم أناسٌ محدودو الدّخلِ فمن أين سيأتون بهذا القدرِ من المالِ؟
فقالوا : يبيعون جواهرَ وحليَّ نسائِهم يا مولانا وإذا لزمَ الأمرُ يبيعون جزءًا من أراضيهم. فقالَ (أسعد باشا) : وماذا تقولون لو حصلْتُ على المبلغِ المطلوبِ بطريقةٍ أفضل مِن هذه؟
فسكتَ الجميعُ لسَماعِ الطّريقةِ الفُضلى لكنّه لم يخبرْهم، وقالَ : "بكرا وخير".
في اليوم التّالي، ومن الصباح الباكر أرسلَ (أسعد باشا) رسالةً إلى المفتي لمقابلتِه بشكلٍ سرّيّ لأمرٍ مهمّ. وفي اللّيلِ، عندما وصلَ المفتي قال له أسعد باشا : عرفنا أنّك ومنذ زمنٍ طويلٍ تسلُك في بيتِك سلوكًا غير قويمٍ وأنّك تشربُ الخمرَ وتخالفُ الشريعةَ، وإنّني في سبيلي لإبلاغِ إسطنبول بفعلِك ولكنّني أفضّل أن أخبرك أوّلًا حتى لا تكون لك حجّة عليّ. هنا بُهت المفتي المفجوع بما سمعَ وأخذَ يتوسّلُ ويعرضُ مبالغَ ماليّة على (أسعد باشا) لكي يطويَ الموضوعَ فعرضَ أوّلًا: (ألف قطعةٍ نقديّةٍ)، فرفضَها (أسعد باشا)، فقامَ المفتي بمضاعفةِ المبلغِ ولكنّ (أسعد باشا) رفضَ مجدّدًا. وفي النهايةِ تمّ الاتّفاقُ على (ستّةِ آلافِ قطعةٍ نقديّةٍ).
وفي اليومِ التّالي قامَ أسعد باشا باستدعاءِ القاضي وأخبرَه بالطّريقةِ نفسها أنّه يقبلُ الرّشوةَ ويستغلُّ منصبَه لمصالِحِه الخاصّةِ، وأنّه يخونُ الثّقةَ الممنوحةَ له. هنا صارَ القاضي يناشدُ الباشا ويعرضُ عليه المبالغَ كما فعلَ المفتي، فلمّا وصلَ معه إلى مبلغٍ مساوٍ للمبلغِ الّذي دفعَه المفتي أطلقَه. بعدها جاءَ دورُ المحتسبِ والنّقيبِ وشيخِ الكار وكبارِ أغنياءِ التجّارِ ورئيسِ العسسِ وشيخِ الحراجِ ورئيسِ عمّالِ النّظافةِ و...و..و.... بعدها قامَ بجمعِ حاشيتِه الّذين أشاروا عليه أن يفرضَ ضريبةً جديدةً لكي يجمعَ خمسين كيسًا، فقالَ لهم : هل سمعْتم أنّ (أسعد باشا) قد فرضَ ضريبةً في الشّام؟ فقالوا : لا ما سمعْنا! فقالَ : ومع ذلك فها أنا قد جمعْتُ مائتي كيسٍ بدلَ الخمسين الّتي كنتُ سأجمعُها بطريقتِكم فتساءلوا جميعًا : كيف فعلْت هذا يا مولانا فأجابَ : إنّ جزّ صوفِ الكباشٍ خيرٌ من سلخِ جلودِ الحملان.
فهل سيأتي اليومُ الّذي يُجزُّ فيه صوف الفاسدين بدلَ سلخِ جلودِ الفقراءِ والمساكين؟
اشارة لافتة هذه قصة واقعية ليست من نسخ الخيال وقد تناولها بعض الأصدقاء على صفحتهم في الفايس بوك 
فاقتضى التنويه .

المصدر : جنوبيات