مقالات هيثم زعيتر >مقالات هيثم زعيتر
الذكرى الثامنة لجريمة إحراق شهيد "فجر رمضان" الفتى محمد أبو خضير.. جريمة مُحكمة المُواصفات
الذكرى الثامنة لجريمة إحراق شهيد "فجر رمضان" الفتى محمد أبو خضير.. جريمة مُحكمة المُواصفات ‎السبت 2 07 2022 15:34 هيثم زعيتر
الذكرى الثامنة لجريمة إحراق شهيد "فجر رمضان" الفتى محمد أبو خضير.. جريمة مُحكمة المُواصفات

جنوبيات

تحلُ اليوم الذكرى الثامنة لجريمة إحراق المُستوطنين اليهود للفتى محمد حسين أبو خضير حياً، في 2 تموز/يونيو 2014، في جريمة مُحكمة المُواصفات للاحتلال الإسرائيلي وقطعان مُستوطنيه، الذين أضرموا النار بالفتى محمد أبو خضير حياً فجر رمضان.
وقع محمد أبو خضير، المولود بتاريخ 2 تشرين الأول/أكتوبر 1997 في بلدة شعفاط - شمال القدس المُحتلة) ضحية قطعان المُستوطنين، الذين خطفوه من بلدة شعفاط وعذبوه وأجبروه على شرب البنزين، قبل أنْ يشعلوا النيران به، وهو حي! صبيحة بداية شهر رمضان المُبارك، الذي انشرح فيه صدر محمد إيماناً واحتساباً، وإنهمك كعادته بتعليق فوانيس في حيّه إحتفاء بالشهر الفضيل فرحاً ومُطمئناً.
لكن الاحتلال ومُستوطنيه، تابعوا سلسلة جرائهم بحق أبناء فلسطين، ليشهد فجر يوم الأربعاء في 2 تموز/يوليو 2014م - المُوافق له 4 رمضان 1435هـ.
جريمة نُفذت عن سابق تصور وتصميم، بحق الفتى أبو خضير، الذي خرج من بيته، وهو يتمتم أدعية الفجر، سابقاً والده حسين إلى المسجد.
وهو في الطريق، توقّفت بالقرب منه سيارة من نوع "هيونداي"، كان بداخلها 3 مُستوطنين، نزل منهم إثنان، وسألاه عن اتجاه "تل أبيب"، وبطيبته وحسن نيته، أشار محمد إليهما بيده.
وما هي إلا لحظات، حتى تأكد المُستوطنان من سير محمد بمفرده، فإنقضا عليه، وعملا على خطفه، ووضعه في المقعد الخلفي للسيارة، وهما ينهالان عليه بالضرب، فيما كان محمد يصرخ مُستنجداً ومُستغيثاً، لينطلق المُستوطنون بسرعة جنونية، مُتجاوزين الإشارة الضوئية الحمراء، باتجاه "مُستعمرة راموت"، ومنها إلى غابة دير ياسين، الشاهدة على مجزرة العصابات الإسرائيلية بحق أهلها في العام 1948م.
في ذلك المكان، كان المُستوطنون الثلاثة ينكّلون بالفتى محمد، ويعذّبونه، ويسقونه البنزين بدلاً من المياه التي كانت قد زوّدته بها والدته سهى لشربها قبل الإمساك، للصوم، ثم أُشعلوا به النار حياً حتى فارق الحياة، في واحدة من الجرائم المُتعددة في الوقت ذاته.
تلكأت سلطات الاحتلال بالبحث عنه، إلى أنْ تبيّن أنّ هناك جثة مجهولة في حرش دير ياسين، وبعد إجراء الفحوصات، تم التأكد من أنها جثة محمد، لتشهد بلدة شعفاط مُواجهة بين الشبان وشرطة الاحتلال، جُرِحَ خلالها أكثر من 80 شخصاً من أبناء البلدة.
على الرغم من معرفة هوية المُجرم الرئيس وهو: يوسف حاييم بن دافيد، ومُساعديه: إبن أخوه، يائير بن دافيد وإبن أخته أتمار زيمر، لكن الاحتلال كعادته سعى لطمس الحقائق، علماً بأن يوسف قد حاول قبل يوم مع أحد الأشخاص خطف الطفل موسى زلوم (7 سنوات)، الذي نجا، لأنّه كان يسير برفقة والدته، وشقيقه يحيى، وشقيقته رغدة في أحد شوارع حي بيت حنينا.
حاول الاحتلال تأخير تسليم جثمان الشهيد محمد إلى ما بعد مغيب يوم الخميس، حتى لا تتمكّن الحشود من المُشاركة في تشييعه، لكن شُيّع جثمان الشهيد محمد بعد ظهر يوم الجمعة (وهو أوّل يوم جمعة من شهر رمضان المُبارك)، بمُشاركة الآلاف، وصولاً إلى منزل العائلة في شعفاط، قبل أنْ يسير الموكب الحاشد به في شوارع البلدة، ليُوارى جثمانه الثرى في مقبرة البلدة، وسط استنكار عارم لهذه الجريمة النكراء، التي استوجبت الرد الفلسطيني قصفاً من المُقاومة، ومُتابعة لرئيس دولة فلسطين محمود عباس "أبو مازن" قضية استشهاد الفتى محمد أبو خضير، في المحافل الدولية.
تبنّى مجلس الأمن الدولي، يوم الخميس في 3 تموز/يوليو 2014م، مشروع بيان لإدانة حادثة اختطاف الفتى محمد أبو خضير وقتله، طرحته البعثة الأردنية الدائمة في نيويورك (عضو مجلس الأمن الدولي غير الدائم).
كانت دماء محمد الغالية شرارة اندلاع "انتفاضة القدس"، وأصبح اسم محمد أبو خضير على كل شفة ولسان، كبطل من أبطال فلسطين، وشكّل أزمة للاحتلال، الذي إعتقل إبن عمه محمد عبد موسى أبو خضير (المولود في عام 1995م). كما اعتقلت أيضاً ابن عمه طارق صلاح أبو خضير (المولود في عام 1999م)، لكنها أصيبت بالصدمة، لأنّ محمد أبو خضير الثاني وطارق أبو خضير، الفلسطينيين يحملان الجنسية الأميركية، لذلك إضطرت للإفراج عنهما.
تيمُناً باسم الشهيد محمد أبو خضير، أطلق المُواطن عبدالله الطلاع، من مُخيّم المغازي - وسط قطاع غزّة الاسم نفسه على مولوده الذي أبصر النور في بداية شهر آب/أغسطس 2014م، في خضم العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
يوم الإثنين في 7 تموز/يوليو 2014م، استقبل الرئيس محمود عباس، في مقر الرئاسة في مدينة رام الله في الضفة الغربية المُحتلة، عائلة الشهيد محمد أبو خضير والفتى طارق أبو خضير.
كما قدم الرئيس عباس، مكرمة بأداء فريضة الحج إلى والدي الشهيد أبو خضير، حيث أدت والدته سهى، في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2014م، الحِجة عن الشهيد محمد، ليتمِّم فرائضه الدينية، حتى بعد استشهاده، بعدما كانت قد أدت مناسك الحج في العام 2010م.
يوم الأربعاء في 1 تموز/يوليو 2015م، وتزامناً مع الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد الفتى محمد أبو خضير، منح الرئيس "أبو مازن"، الشهيد أبو خضير "نوط القدس"، وذلك خلال استقباله بمقر الرئاسة، والدَيْ الشهيد، حسين وسهى، تقديراً ووفاءً لروحه الطاهرة.
سعى الاحتلال الإسرائيلي إلى إخراج المُستوطنين الثلاثة القتلة خلال مُحاكمتهم في القدس، بعد دفاع المُحامين عنهم، بذريعة أن إثنين منهم قاصران، وأنّ المُجرم الرئيس يوسف حاييم بن دافيد، يُعاني من اضطرابات نفسية، على الرغم من امتلاكه محلاً لبيع النظارات الطبية، وإظهار أشرطة الفيديو في محله تدريبه شريكيه، على الخطف، والضرب في أماكن مُحدّدة، والخنق والقتل، وهذا ما نفّذوه ضد الفتى محمد أبو خضير؟!
يوم الخميس في 8 شباط/فبراير 2018، ثبّتت المحكمة، الأحكام بحق المُجرمين الثلاثة، حيث أكّد قضاة المحكمة أنّ "الجريمة التي ارتكبت بحق الطفل محمّد أبو خضير، هي جريمة إرهابية إستراتيجية بشعة أدّت إلى اشتعال الأوضاع في المنطقة، وكانت على خلفية عنصرية واضحة".
وثبتت "المحكمة العليا" حكم "المحكمة المركزية"، التي كانت قد قضت في أيار/مايو 2016م، بسجن يوسيف حاييم بن دافيد (33 عاماً) بالسجن المُؤبّد، و20 عاماً أخرى لإدانته بالتخطيط لحرق الشهيد أبو خضير وجرائم إرهابية أخرى، ودفع تعويض قدره 150 ألف شيكل لعائلة الشهيد.
وكانت المحكمة قد حكمت في 4 شباط/فبراير 2017م، على يائير بن دافيد بمؤبد و3 سنوات، بذريعة بأنه كان قاصراً، وحكمت على أتمار زيمر بالسجن 20 عاماً.
لا يترك الحاج حسين أبو خضير وزوجته الحاجة سهى أبو خضير، مُناسبة، لشهيد أو جريح أو أسير أو مُفرج عنه، أو مُناضل يتصدى للاحتلال، إلا ويكونا في طليعة المُشاركين معهم، أينما كان ذلك.
"أبو الرائد" و"أم الرائد" حملا قضية ابنهما في كل فلسطين، وإلى لبنان وأنحاء العالم، تأكيداً على أن هذه الجريمة، وما سبقها وما تبعها من جرائم بشعة، ستبقى وصمة عارٍ، تُضاف إلى سجل جرائم الاحتلال الإسرائيلي ومُستوطنيه بحق أصحاب الأرض.

 

 

المصدر : جنوبيات