بأقلامهم >بأقلامهم
خمسون سنة من الزمن..
جنوبيات
أيها الحبيب الغائب الحاضر،
رحلت قبل خمس سنوات في التاريخ، ولكنهم كانوا بمثابة خمسين سنة من الزمن، لأن البلد الذي أحببت وضحيت بالكثير من أجله، قد عاد إلى الوراء أكثر من خمسين عاماً.
هل كنت تتخيل مثلاً أن لبنان، الذي عرفته بلد الإشعاع والنور في الخمسينات والستينيات، يعيش اليوم في ظلام العتمة، بعدما كان يُصدّر فائض الكهرباء إلى سوريا.
هل خطر ببالك يوماً أن بلد البحبوحة والإزدهار، والمثل والمثال في «معجزته الإقتصادية»، يتخبط اليوم في مهاوي الإفلاس، ويستجدي المساعدة والنجدة من القريب والغريب.
هل كنت تتصور أن لبنان الذي كان يضم محطتي الزهراني وطرابلس لتكرير النفط وتصديره، أصبح ينتظر فيول العراق الشقيق لتأمين التيار الكهربائي ساعتين فقط في الليل والنهار.
وهل تعلم أن مستوى دخل الفرد في وطن الأرز الذي كان يُضاهي مستويات العديد من البلدان الكبرى، أصبح اليوم، وبعد ثلاث سنوات من إندلاع الأزمة، الأدنى في الدول الفقيرة، وأصبح ٨٥ بالمئة من اللبنانيين تحت خط الفقر.
يا رفيق الدرب والمعاناة،
ماذا أخبرك عن الطقم السياسي الفاسد الذي أوصل البلاد والعباد إلى مسلسل الإنهيارات في جهنم، وما زال متشبثاً بنواصي السلطة، ويتسابق على المغانم والصفقات.
كيف لي أن أبلغك أن لبنان إبتعد عن الصف العربي، فكان أن إبتعد الأشقاء عنه، وتركوه يقلع أشواك أزماته بيديه، وحجبوا عنه الدعم والمدد الذي إعتادوا تقديمه في الأزمات والملمات.
وما زلنا نراوح، كما في السنوات الأخيرة قبل رحيلك، في إستعصاء تشكيل الحكومات بالسرعة اللازمة، وفي إستنساخ الفراغ الرئاسي عند كل إستحقاق لإنتخابات رئاسة الجمهورية، وفي إستمرار التدهور المخيف في سلطة الدولة، وتلاشي هيبتها، والشلل المتفاقم في إداراتها.
يا عميد صحافة الحق والإلتزام بقضايا الأمة،
من المحزن أن أبلغك بأن الصحافة ليست بخير، مثلما الوطن برمته ليس بخير. وأن تداعيات أزمات البلد فتكت بتألق الصحافة، وضربت مكانتها المميزة في لبنان وفي دنيا العرب، مما أضطر العديد من الزميلات إلى إقفال الأبواب ومغادرة المعترك، تاركين الساحة لمواليد التكنولوجيا الذين يتكاثرون بسرعة لا تخضع لمقاييس الساعة.
يا غني الصبر والإيمان،
في ذكراك الخامسة، نفتقد روح التفاؤل الذي كنت تواجه فيها المراحل الصعبة، ونسترشد بحكمتك وصبرك ومثابرتك للتغلب على تحديات الأيام السوداء، ونستعين بدعواتك في عليائك للخلاص من مهاوي جهنم وإنقاذ الوطن قبل فوات الأوان .
الذكرى الخامسة لرحيل عميد «اللــواء» عبد الغني سلام