بأقلامهم >بأقلامهم
سطوة البلطجة.. الطلقة العابثة في مشروعية الحق
جنوبيات
غابت القيم، اندثرت الأخلاق، إلا ما ندر، وباتت عبارة "الحق يعلو ولا يعلى عليه" عصيّة على الصرف في زمن حجزت البلطجة لها مكانا بارزا في مشهدية عجز سلطة القانون. فسطوة التفوق اللا مشروع تحوّلت سلوكا مجتمعيا فرض نفسه كبديل بقناعة مطلقة أمام انهزام آخر معاقل إحقاق الحق وهيبة القانون.
هذه الحقيقة المرّة لا تتعلق بواقعة آنية بل أضحت معايشة يومية تستدعي دق ناقوس الخطر كونها تتنقل بين الأحياء والقرى والمدن والمؤسسات العامة دون رادع قيمي_ أخلاقي، ديني أو مهني.
باتت حالات البلطجة المتنقلة تعمّ الوطن بأكمله ونهجا يتسلّل ويتموضع في جزئيات المشهد. فتظهر سطوة الجاني واقتدراه بينما تترك الضحية بانهزام أمام مشروعية حقوقها.
لا احد ينكر ان للأزمة الاقتصادية دور في الإنقلاب على لغة القانون والأدوات المنفذة له كونها عجّلت فيه، لكن الواقع يظهر أن ما وصلنا إليه عبارة عن خطة ممنهجة بدأها الوضع الاقتصادي الذي ما لبث أن شلّ مؤسسات القطاع العام، تحديدا المؤسسات القانونية، واستتبعه تفلت أمني حلّت مكانه تلقائيا قوى الأمر الواقع التي عممت ثقافة الثقة والخلاص المرتبط بها.
غير أن التوجّس والخشية من تحلّل منظومة المناعة المجتمعية، حيث البدائل لا مناص منها، إنما هي معضلة يقتضي مواجهتها عبر القوى المدنية الضاغطة والتكتلات التي لها الطابع القانوني وإن أضحت خطواتها مؤخرا ذات طابع خجول لا يعوّل عليه في آتون العبثية الشرسة التي حلّت وبالا على منظومة القيم وثقافة الإنتصار للقانون.
هذه البصمة السوداء مؤشراتها خطيرة وذيولها أبعد من مجرد عرض عضلات، فالمشكلة التي تزداد خطورة لم تبقَ رهينة عدد يمكن السيطرة عليه. ما يستدعي، من جهة، استنفار ما تبقى من الفاعلين في مجال القانون لإنقاذ هيبة المؤسسات وفرض هزيمة مدوية للحالات الشاذة، حتى لو تطلب الأمر تضحيات وجهود مكلفة في زمن المحل وضعف القدرة الفاعلة. كما يتطلب رقابة فاعلة لتقويم دور الضابطة العدلية أثناء تأديتها مهامها، من جهة ثانية.
أن يتساوى الجاني والضحية في أحقية إجراءات تمهد لمحاكمة تقتضي أن يكون القانون هو الحكم والراعي الصالح أمر مقبول، لكن أن يتفوق الجاني بأدوات فاقدة للشرعية وبسطوة من عصبية ومحسوبية وهيمنة إنما هي الطلقة الأخيرة في جسد القانون وهيبته وروحه.