بأقلامهم >بأقلامهم
دولة موسى الصّدر..
جنوبيات
قبل الإمام موسى الصّدر لم يكن ثمّة انسجام بين مصطلحيّ «الشّيعة والدّولة»، ولأسباب تاريخيّة، تعود إلى قرون الإسلام الأولى، بقي الشّيعة خارج أطر الحكم، إلّا ما ندر، وحيث شاركوا في الحكومات كانت مشاركات رمزيّة تريدها القوى الحاكمة «ديكوراً» يزيّن لديها صورة التّعايش والمشاركة.
وعندما جاء الإمام الصّدر إلى لبنان خلفاً للإمام شرف الدّين وجد في المكوّنات اللّبنانيّة وصفة سحريّة لتقديم نموذج إنسانيّ يعزّز احتمال الالتقاء فالارتقاء بأبعاده الثّقافيّة والحضاريّة والرّساليّة، لذلك قبيل اندلاع الحرب الأهليّة من أنّ «سقوط النّموذج اللّبناني يمثّل خسارة للإنسانيّة جمعاء»، ودعا المسؤولين أن يعدلوا قبل أن يبحثوا عن وطنهم في مزابل التّاريخ.
والصّدر كما الأنبياء والأولياء والمصلحين، لم يسلم من النّقد والجلْد وحتّى التّخوين، فهاجمه الإسلاميّون لأنّه دعا إلى التّمسّك بنهائيّة الكيان اللّبنانيّ وحدوده الجغرافيّة، خلافاً لمشهور الحركات الإسلاميّة في دعوتها إلى إقامة دولة الخلافة على مساحة الجغرافيا الإسلاميّة.
والإمام الصّدر تغنّى بـ «جمال لبنان وجباله وجنوبه وشرقه وشماله..» في خطاب جماهيريّ أقسم فيه على الدّفاع عن حقوق «المحرومين» وليس المسلمين أو الشّيعة!
هذه الأدبيّات جديدة على السّمع الإسلاميّ عموماً والشّيعيّ خصوصاً، وهذه الغنائيّات شبيهة بمصطلحات النّخب المسيحيّة الّتي تباهي بلبنان شكلاً ومضموناً كواحة وسط محيطها!
والإمام الصّدر اعتبر المسيحيين «ثروة كبرى للبنان وثروة كبرى للعرب وثروة كبرى للشّرق»، فالتّغنّي بلبنان ككيان لم يكن مأثوراً على اللّسان الشّيعيّ بسبب التّراكمات التّاريخيّة الّتي بدأت مع الدّولة الأمويّة ولم تنتهِ مع المارونيّة السّياسيّة، حيث مورست بحقّهم شتّى صنوف التّهشيم والتّهميش على مدى القرون الماضية، وصولاً إلى ستّينات القرن العشرين!
انطلاقاً من قراءته العصريّة للرّسالة المحمّديّة حلُم الإمام موسى الصّدر بـ «دولة الإنسان وطائفتها الله»!
دولة موسى الصّدر لا دينيّة ولا طائفيّة ولا علمانيّة، هي دولة مدنيّة تحترم القانون والدّستور والمعتقدات والحرّيّات وتؤمن بالعدالة الاجتماعيّة بعيداً من الاعتبارات والامتيازات المذهبيّة والطائفيّة.
دولة موسى الصّدر تقدّر الكفاءات والطّاقات الشّابّة وتصون التّضحيات والخبرات السّابقة.
دولة موسى الصّدر تمنع الاحتكار وترفض الاستغلال وتشجّع المبادرات الفرديّة.
دولة موسى الصّدر لا شرقيّة ولا غربيّة ولكنّها ذات مبادئ إنسانيّة وقوميّة، تتبنّى القضيّة الفلسطينيّة ومظلوميّة الشّعب الفلسطينيّ.
دولة موسى الصّدر متفاعلة مع محيطها ومنسجمة مع موقعها وتاريخها..
فكيف حفظت الدّولة اللّبنانيّة بمؤسّساتها وأحزابها وقادتها وساستها الإمامَ موسى الصّدر؟!
وماذا لو لم يترك الإمام حركة «أمل»؛ هل كان سيبقى الأكثر حضوراً رغم تغييبه؟!