بأقلامهم >بأقلامهم
"سلطان الأباريق، وسياسة التضييق"!
"سلطان الأباريق، وسياسة التضييق"! ‎الاثنين 5 09 2022 10:31 القاضي م جمال الحلو
"سلطان الأباريق، وسياسة التضييق"!

جنوبيات


هذه القصّة سمعتها من فنّان كبير في السنّ صقلته السنون وجعلت منه خبيرًا في كلّ الفنون. 
يُحكى أنّ رجلًا كانت وظيفته ومسؤوليّته هي الإشراف على الأباريق لحمّام عموميّ، والتأكّد من أنّها مليئة بالماء بحيث يأتي الشخص ويأخذ أحد الأباريق لدخول الحمّام، ثمّ يعيد الإبريق، بعد أن ينتهي من قضاء حاجته، إلى ذاك الذي يقوم بتعبئته مجدّدًا للشخص التالي وهكذا.
وفي إحدى المرّات جاء شخص وكان مستعجلًا فخطف أحد الأباريق وانطلق مسرعًا نحو دورة المياه. 
فصرخ به مسؤول الأباريق بقوّة وأمره بالعودة إليه، فرجع الرجل على مضض، فأمره مسؤول الأباريق بأن يترك الإبريق الذي في يده ويأخذ آخر بجانبه، فأخذه الشخص ثمّ مضى سريعًا لدخول الحمّام. وحين عاد لكي يسلّم الإبريق سأل مسؤول الأباريق: لماذا أمرتني بالعودة وأخذ إبريق آخر مع أنّه لا فرق بين الأباريق؟
فأجابه مسؤول الأباريق بتعجّب: إذًا ما هو عملي هنا؟!
إنّ مسؤول الأباريق هذا يريد أن يشعر بأهمّيّته وبأنّه يستطيع أن يتحكّم وأن يأمر وأن ينهى، مع أنّ طبيعة عمله لا تستلزم كلّ هذا ولا تحتاج إلى كلّ هذا التعقيد، ولكنّه يريد أن يصبح سلطانَ الأباريق.
وفي واقع الحال، فإنّ سلطان الأباريق موجود بيننا وتجده أحيانًا في الوزارات أو في المؤسّسات أو في الجامعات أو المدارس أو في المطارات إلى ما هنالك... لا بل قد تجده في كلّ مكان تتعامل فيه مع الآخرين!
ألم يحدث معك، وأنت تقوم بإنهاء معاملة تخصّك، أن تتعطّل معاملتك لا لسبب إلّا لأنّك واجهت سلطان الأباريق الذي يقول لك: اترك معاملتك عندي وعدْ بعد يومين؟! ثمّ يضعها على الرفّ وأنت تنظر إليه بمقت، مع أنّها لا تحتاج إلّا لمراجعة سريعة منه، ثمّ يحيلك إلى الشخص الآخر. ولكن كيف سيشعر بأهمّيّته إلّا إذا تكدّست عنده المعاملات وتجمّع حوله المراجعون؟!
إنّه سلطان الأباريق يُبعَث من جديد.
إنّها عقدة الشعور بالأهمّيّة ومركّب النقص، والتظاهر بالقوّة والتحكّم بخلق الله!
إنّ ثقافة سلطان الأباريق تجدها في مبادئ جلّ السياسيّين والفاسدين والماكرين والمحتكرين وممّن لفّ لفّهم وسعى سعيهم ومشى في ركبهم، حيث إنّهم يؤمنون بالتجهّم والشدّة وتعقيد الأمور لكي يوهموك بأنّهم مهمّون. ولكنّهم ما علموا أنّ أهمّيّتهم تنبع من كراسيهم أكثر من ذواتهم.
من المستغرب ميل بعض النّاس إلى الشدّة وإلى التضييق على عباد الله في كلّ صغيرة وكبيرة، ولا يفكّر بالرفق أو اللين أو خفض الجناح، لا بل يعتبرها من شيم الضعفاء!
وفي ملخّص القول، إنّها دعوة إلى تبسيط الأمور لا إلى تعقيدها، ولتسهيل الإجراءات وليس  تشديدها، وللرفق بالناس لا أن نشقّ عليهم. ولكم نحن بحاجة للتخلّص من ذهنيّة سلطان الأباريق (وما أكثرهم في هذا الوقت المقيت).

المصدر : جنوبيات