بأقلامهم >بأقلامهم
22 ألف سلاح نووي في عالمنا اليوم... فما دور الأمم المتحدة؟
جنوبيات
هذه ورقة جديدة من أوراق الدكتور ديفيد فرنانديز بويانا الأممية، يثير فيها تساؤلًا خطيرًا. ففي وجود 22 ألف سلاح نووي في عالمنا اليوم، ماذا يمكن أن تفعله الأمم المتحدة لتجنّب البشرية مصير هيروشيما وناغازاكي؟.
بسبب ما وقع من حوادث نووية وإشعاعية خطيرة، مثل حادثة مايل آيلاند في عام 1979، وكارثة تشيرنوبل في عام 1986 ومفاعل فوكوشيما في عهد أقرب في عام 2011، احتدم السجال في شأن استخدام الطاقة النووية.
ويذهب أنصار هذا الشكل من الطاقة إلى أن الطاقة النووية مصدر طاقة مستدام يخفض الانبعاثات الكاربونية. ويعتقد المعارضون، من الجهة الأخرى، أن الطاقة النووية تشكل مصدر تهديدات عديدة للبشر والبيئة.
عنصر الماء
توَّلد حاليًا نحو 14 في المئة من كهرباء العالم من محطات طاقة نووية، نصفها في الولايات المتحدة وفرنسا واليابان. وتتسم فرنسا بأعلى درجة من الاعتماد على الطاقة النووية بين بلدان العالم، وهي تنتج نحو 80 في المئة من طاقتها الكهربائية من 21 محطة توليد، و58 مفاعلًا نوويًا.
وإجمالًا، يُقدر أن مصدر 30 في المئة من طاقة أوروبا هو محطات توليد نووية. وهناك في المجموع الكلي محطات نووية في 30 بلدًا. ويعني هذا أن 166 بلدًا في العالم لا تستخدم أي محطات توليد نووية.
تحتاج المحطات النووية كميات هائلة من الماء. ولهذا السبب تكون المحطات النووية قريبة من البحر أو الأنهر أو البحيرات أو السدود. ويكلف بناء المحطة النووية المتعارف عليها 14 مليار دولار، وهي تمدّ 740 ألف منزل بالكهرباء، وتستخدم نحو 57 مليون لتر من الماء يوميًا.
يضاف إلى ذلك أن الماء المستخدم في التبريد يُعاد إلى النهر، وهو أسخن بكثير منه حين سُحب منه. ويمكن لمحطات الطاقة حين تعيد الماء المستخدَم أن ترفع الحرارة في مجرى الماء بواقع 3 درجات، الأمر الذي يؤثر على بيئة النهر بكاملها.
يرتبط السلام والبيئة بعلاقة وثيقة، كما أوضح إعلان ريو حول البيئة والتنمية في عام 1992. ينص المبدأ 25 بصفة خاصة على الاعتماد المتبادل بين السلام والتنمية وحماية البيئة في كل لا ينفصم، ويقول المبدأ 26: "إن الدول تحلّ نزاعاتها البيئية سلميًا وبالطرق المناسبة وفق ميثاق الأمم المتحدة".
طاقة نووية من أجل السلام
في عام 2008، أصدر المجلس الدستوري في كوستاريكا قرارًا بشأن المرسوم، الذي يجيز للدولة استخراج اليورانيوم وامتلاك مفاعل نووي. وقال المجلس إن هذا المرسوم ضد قيمة السلام والحق في بيئة سليمة. لذا أُعلن المرسوم غير دستوري وباطلًا كالآتي: "... الدولة التي تتطلع إلى تعزيز السلام على الصعيد الداخلي، فضلًا عن الصعيد الدولي، يجب أن تبدي اهتمامًا خاصًا لدى التخويل في صنع و/أو استيراد أسلحة ومواد كيميائية داخل أراضيها، وأن ترفض بشدة تلك التي بحكم طبيعتها جرى التفكير فيها وتصنيعها من أجل الحرب المعادية لقيمة السلام".
في 8 كانون الأول (ديسمبر) 1953، ألقى الرئيس الأميركي دوايت آيزنهاور خطابًا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك بعنوان "ذرات من أجل السلام". وأعطى هذا الخطاب غطاء سياسيًا لبناء الأسلحة النووية، والخلفية التي انطلق عليها سباق التسلح في فترة الحرب الباردة.
تمنح معاهدات دولية ومؤسسات، مثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، شرعية لامتلاك الدول منشآت طاقة نووية وتطويرها. وأنشئت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في عام 1957 بعدما قدم الرئيس آيزنهاور برنامجه الموسوم "الطاقة النووية من أجل السلام".
وتنبع ثقافة السرية التي تُحيط بالطاقة النووية، وما زالت سائدة في صناعتها حتى هذا اليوم، من حقيقة أن الطاقة النووية استُخدمت للمرة الاولى لأغراض عسكرية.
ردع نووي
في عام 2015، مرت ذكرى إلقاء القنبلة الذرية الأميركية على مدينتي هيروشيما وناكازاغي اليابانيتين، ومقتل أكثر من 150 ألف شخص على الفور. وبعد سنوات على هذه الحوادث المفجعة، يقف العالم - كما أشار الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون - على حافة هاوية، حيث يواجه تهديدات خطيرة ناجمة، بين أشياء أخرى، من وجود أكثر من 20 ألف سلاح نووي و"المبدأ المُعْدي" للردع النووي.
سعت الأمم المتحدة منذ تأسيسها إلى التخلص من مثل هذه الأسلحة. ونص أول قرار أصدرته الجمعية العامة في عام 1946 على تشكيل لجنة للتعامل مع المشاكل ذات العلاقة باكتشاف الطاقة الذرية، بين قضايا أخرى. كان المطلوب من اللجنة أن تقدم مقترحات لضبط الطاقة النووية في الحدود اللازمة لضمان استخدامها للأغراض السلمية فقط. كما دعا القرار إلى مقترحات تقدمها اللجنة بشأن "إزالة الأسلحة النووية من الترسانات الوطنية مع جميع الأسلحة الكبيرة التي يمكن تعديلها لأغراض الدمار الشامل".
عُقد منذ ذلك الحين عدد من المعاهدات متعددة الأطراف لمنع الانتشار النووي والتجارب النووية، ومنها معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، ومعاهدة حظر التجارب النووية في الجو، وفي الفضاء الخارجي وتحت الماء، المعروفة أيضًا بمعاهدة الحظر الجزئي للتجارب النووية، ومعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، التي وقعت في عام 1969، ولم تدخل حيز التنفيذ حتى الآن.
معاهدات بالجملة
وقعت معاهدة حظر الانتشار في عام 1970 للحدّ من انتشار الأسلحة النووية. والأهداف الثلاثة لهذه المعاهدة هي حظر الانتشار ونزع السلاح والاستخدام السلمي للطاقة النووية.
يحدد قرار الجمعية العامة رقم 3472 "ب" لعام 1975 المنطقة المجردة من السلاح النووي بأنها "... أي منطقة تعترف بها الجمعية العامة للأمم المتحدة منطقة كهذه تقيمها مجموعة من الدول في ممارسة سيادتها بحرية بناء على معاهدة أو اتفاقية".
وتشكل المعاهدات التالية أساس المناطق المجردة من السلاح النووي الموجودة حاليًا: معاهدة تلاتيلولكو (أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي) ومعاهدة راروتونغا (معاهدة المنطقة المجردة من السلاح النووي في جنوب المحيط الهادئ) ومعاهدة بانكوك (جنوب غرب آسيا) ومعاهدة بليندابا (افريقيا) ومعاهدة المنطقة المجردة من السلاح النووي في آسيا الوسطى.
في 11 كانون الأول (ديسمبر) 2012، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 67/28 الذي تدعو فيه "سائر الأطراف إلى دراسة الوسائل المناسبة التي من شأنها أن تساهم في تحقيق هدف نزع السلاح الشامل والتام وإقامة منطقة مجردة من أسلحة الدمار الشامل في منطقة الشرق الأوسط"، وتطلب من الأمين العام "الاستمرار في إجراء المشاورات مع دول المنطقة وغيرها من الدول المعنية للتحرك نحو إقامة منطقة مجردة من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط".
خير حماية
في عام 2015، عُقد مؤتمر مراجعة الأطراف لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية في نيويورك من 27 نيسان (إبريل) إلى 22 أيار (مايو) 2015، برئاسة السفيرة الجزائرية طاووس فروخي.
تدعو المعاهدة، لا سيما الفقرة 3 من المادة منها، إلى مراجعة عمل المعاهدة كل خمس سنوات، وهو بند أكدته مجددًا الدول المشاركة في مؤتمر مراجعة وتمديد معاهدة حظر الانتشار النووي في عام 1995 ومؤتمر مراجعة المعاهدة المنعقد في عام 2000.
على الرغم من المشاورات المكثفة، لم يتمكن المؤتمر من التوصل إلى اتفاق على القسم الأساسي من مشروع الوثيقة النهائية. وعلى الرغم من أن الأسلحة النووية لم تُستخدم إلا مرتين في الحرب - قصف هيروشيما وناكازاغي في عام 1945 - فإن التقارير تتحدث عن نحو 22 ألف سلاح نووي، ما زالت موجودة في عالمنا اليوم، وإجراء أكثر من 2000 تجربة نووية حتى الآن. وسيكون نزع السلاح خير حماية ضد مثل هذه المخاطر، لكن تحقيق هذا الهدف كان تحديًا بالغ الصعوبة.
أخيرًا، ينبغي التذكير بأن ميثاق الطبيعة العالمي لعام 1982 يؤكد أن الحفاظ على السلام لا يمكن أن يتحقق ما لم تتعلم البشرية التعايش بسلام وتنبذ الحرب والسلاح. وبالتالي، كما طرح إعلان جوهانسبرغ بشأن التنمية المستدامة في عام 2002، فعلى جميع الأطراف أن تعمل معًا، موحدة بتصميم مشترك على إنقاذ كوكبنا، ودفع عجلة التنمية البشرية وتحقيق الازدهار والسلام.