بأقلامهم >بأقلامهم
بماذا أخطأ السنّة والحريري وتياره؟
بماذا أخطأ السنّة والحريري وتياره؟ ‎الاثنين 5 09 2022 11:25 محمد نديم الملاح
بماذا أخطأ السنّة والحريري وتياره؟

جنوبيات

كثير ما نسمع في الآونة الأخيرة جملة «أي اتفاق خارجي سيكون على حساب لبنان وعروبته وبالتالي تسليم لبنان سلفاً إلى أي دولة إقليمية وانسلاخه عن محيطه العربي» وفي الحقيقة هذا التحليل قمة في الدجل السياسي لعدة أسباب، أولها أن لبنان عضو مؤسس في جامعة الدول العربية، وليس آخرها العروبة. هي مبادئنا وقيمنا وثقافتنا وأمور كثيرة مشتركة لا يمكن استبدالها أو انتزاعها، هي جينات التاريخ العربي الأصيل.

نعم لا ننكر أن لبنان يعيش اليوم أزمة اقتصادية وسياسية داخلية وخارجية أثّرت على علاقته بالدول الخارجية وخاصة الدول العربية، لكن هذا لا يعني تخلّي لبنان عن عروبته كما لا يعني تخلّي العرب عن لبنان، هي غيمة صيف وستمضي، هي مرحلة «تنخيل» الصديق من المنافق لكن علينا تحديد الأسباب التي دفعت إلى عزلة لبنان وتسليمه وجعله رهينة الخارج.

إن من يريد تسليم البلد هو من يصنع قانون انتخابي هجين مفصّل على قياس الأحزاب الطائفية والمذهبية والمناطقية.
إن من يريد تسليم البلد هو من يرضى بسياسة التعطيل والمراوغة، ويشرعه بعقد اتفاقات مثل «أوعى خيّك»، ويرمي فشله على الآخرين ويتقن المراوغة في فن التملق والنفاق السياسي والطعن في الظهر وتحميل المسؤولية لفريق سياسي آخر.
إن من يريد تسليم البلد من يرى أن حدود الثورة تنتهي عند أبواب السراي الحكومي فقط.
إن من يريد تسليم البلد هو من يرفض احترام الإجماع السنّي ويرضى بالمجيء بشخص لا يحظى بالميثاقية.
أن من قرر تسليم البلد هو من يعرقل مؤتمر سيدر والمبادرة الفرنسية ومن يرفض الورقة الإصلاحية التي قدّمها سعد الحريري.
هنا السؤال يُطرح هل ظلم السنّة والحريري؟!
الجواب نعم لقد ظلم سعد الحريري والطائفة السنية عبر تعرضهم إلى حملات مزايدة وتضليل لم يشهد عليها تاريخ السنّة، فلم تترك موبقة ومفسدة إلا وألصقوها بهم، حتى وصل بهم الأمر للنيل من العلاقة التاريخية والوطنية بين الحريري والمملكة العربية السعودية التي تعيد صياغة واقع عربي جديد في مواجهة التغول الإيراني - التركي - الإسرائيلي في المنطقة.
لقد دفعت الطائفة السنية ثمن انحيازها للوحدة الوطنية على الانقسام الداخلي، واختيارها للسلم الوطني على الحرب الأهلية، وتمسّكها بالعروبة الحضارية المنفتحة على التنوع لا الأيديولوجيات الصنمية، فكان لا بديل عن استخدام سياسة ربط النزاع لأن لولا ذلك لكان لبنان صار رماداً ولحق بما يسمى «الربيع العربي».

ومن باب اللياقة والتذكير لبعض الذين عرضوا الأكتاف والذين ظلموا وحملّو الآخرين أوزار المرحلة الماضية منذ سنة 2005، بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري مع رفاقه حصل عدد كبير من الاغتيالات استهدفت شخصيات على مساحة الوطن.

ماذا حصل بعد زيارة وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس 2006 والاجتماع مع شخصيات رسمية وسياسية وبعض الوجوه الاجتماعية التي قالت آنذاك نحن على أبواب شرق أوسط جديد؟!
ماذا حصل في بيروت 2008 ومن هدّد رئيس الحكومة بسحب الوزراء من الحكومة في حال وقّع على إحدى القرارات؟!
لماذا استقال الوزراء من الرابية 2011 بعد دخول رئيس الحكومة للبيت الأبيض والاجتماع مع الرئيس الأميركي أوباما؟!
علينا أن نقرأ كل المراحل التي مرّت كي نعلم جيداً بأننا ما نعيشه اليوم من قهر وفقر ومعاناة وإذلال حلقة متواصلة من اتفاقيات دولية إقليمية لضرب العالم العربي وتمزيقه، وأكبر دليل على ذلك ما جرى ويجري في عالمنا العربي من استهدافات وتحويله الى ساحة صراعات تستفيد منه الدول الكبرى جنباً إلى جنب مع أصحاب الفكر الإرهابي والتوسعي الذين يحلمون بعودة الأمبراطويات، من هنا جاءت فلسفة فن التملق والكيد والنفاق السياسي لضرب الشراكة الوطنية والنيل من اتفاق الطائف الذي وضع حد لحمام الدم بين اللبنانيين دام ١٥ سنة تحت شعارات صلاحيات رئاسة الجمهورية.

فها هي الانتخابات النيابة قد مضى عليها أكثر من ثلاثة أشهر ولم نرَ من الوعود والخطابات السياسية شيئاً سوى الشعبوية، لا أحد يحمل مشروع سياسي حقيقي وطني عروبي غير طائفي أو يملك خارطة طريق واحدة للخروج من المحنة التي نمرّ بها.
فقد كشفت نتائج الانتخابات النيابة حقيقة حفلات «جنون العظمة» و«مطابخ التآمر» على سعد الحريري ومسيرته السياسية، فمن راهن على تعليق المستقبل ورئيسه العمل السياسي بوراثة الجمهور المستقبل عموماً والسني خصوصاً عاد خالي الوفاض، وعند أول استحقاق حقيقي بعد الانتخابات سقط عنه قناع الشعبوية، وأصبح اليوم يبحث عن أي طرح يحفظ به ماء وجهه بعدما تبيّن أن لا حل سوى بالحوار.
المطلوب الآن من الذين يزايدون سياسياً شرقاً وغرباً أن يجيبوا الناس عن أسئلة مشروعة، ما هو مشروعهم السياسي الحقيقي بعيداً عن الشعارات والكلام؟!

إي وجه لبنان يريدون: لبنان المنفتح على الشرق والغرب، لبنان الرسالة أم لبنان الكانتونات الطائفية والمذهبية والمناطقية المعزولة؟!
كيف سيتواصل الفرقاء السياسيون مع بعضهم البعض؟ خصوصاً أن التاريخ أظهر أن ما من أحد يمكنه إلغاء شريكه في الوطن حتى بالحديد والنار، وهذا يجب أن يكون معلوماً للأبعدين والأقربين كي لا نعيد عقارب الساعة إلى الوراء.

فالمطلوب اليوم ونحن على أبواب الاستحقاق الرئاسي شخصية حقيقة وقوية لرئيس الجمهورية يؤتمن على حكم البلاد والعباد خصوصاً لبنان يتمتع بصيغة خاصة وحسّاسة ويجب على الجميع احترامها، عندما يكون الرئيس صانعأ مجد المؤسسات لا أحد يستطيع أن يسيطر على صلاحياته وعندما يكون الرئيس صاحب رؤية إصلاحية وغير متحيز لفريق دون الآخر، فهو من يملك الشرعية ومصدر توجيه السلطات وأساس نهوض الوطن ومؤسساته والانفتاح على العالم أجمع، فمثلما يؤخذ بعين الاعتبار الرغبة الأكثرية المسيحية يجب أيضا أخذ بعين الاعتبار الأكثرية الإسلامية وخاصة الطائفة السنية وبشخص رئيس الحكومة وعدم الاستقواء والتذاكي على القانون ومحاولة وضع اليد على صلاحيات رئاسة الحكومة، واستخدام فائض القوة لدى القوى السياسية للتحكم والسيطرة على قرار الدولة وربط مصير لبنان واللبنانيين بصراعات الإقليمية، إذا كان حقاً نريد الحفاظ على ما تبقّى من دولة وعدم التدخل في شؤون الآخرين ونقل صراع العالم إلى الداخل اللبناني وربط البلد وأكثرية أبنائه بمحاور لا تغني من جوع.

بعد هذه المراجعة هل أخطأ سعد الحريري وتياره والسنّة عموماً بعدم الدخول في حرب طائفية تؤدي إلى تغيّر ديمغرافي وإنشاء دويلات فدرالية كما يحلو لبعض؟ من المسؤول عن هذه الأجيال الصاعدة؟ عن أي انتماء وطني نتكلم؟ وأي مستقبل لبلد مرهون بهكذا أفكار تقسيمية تقودها عقول منغلقة تعود إلى مجاهل العصر الحجري؟ هل المطلوب أن نعيش وسط منهاج التطرف الديني والسياسي والأخلاقي يلغي وجه لبنان الجميل ووحدته بعيداً عن الانقسامات الطائفية والمذهبية والمناطقية، السؤال يطرح نفسه ربما يكون الجواب في المستقبل القريب.
ختاماً ربما يكون أخطأ سعد الحريري ونحن معه لأننا لسنا من جنس الملائكة ولكننا بكل تأكيد لسنا من أولئك البشر.
     

المصدر : اللواء