7 صفر 1447

الموافق

الجمعة 01-08-2025

علم و خبر 26

أخبار

علم و خبر 26

لبنانيات

بلدة كفردبيان اللبنانية.. أميرة الثلج البيضاء!
بلدة كفردبيان اللبنانية.. أميرة الثلج البيضاء!
جنوبيات
2022-09-06

1,462

 كفردبيان جنّة طبيعية على الأرض يقصدها من سائر أنحاء العالم كلّ من يهوى التزلجّ والسياحة والاصطياف للتمتعّ بسحرها الطبيعي ومعالمها الأثرية والتراثيّة العريقة الشاهدة على عمق تاريخها ورونقها. كتب تاريخها المجيد بأقلام كبار المؤرّخين، وشهدت مرور أعظم الحضارات القديمة التي عشقتها وتركت فيها آثاراً تشهد على مرورها. هي بلدة “كلّ الفصول” كما يطلق عليها أبناؤها لا بل يصفونها بالرجل “المارد العملاق صاحب الشعر الأشيب (المكّلل ببياض الثلج) وقدماه تلامسان شاطئ البحر” نسبةً الى كبر مساحتها الجغرافيّة التي تميّزّها عن سائر القرى والبلدات اللبنانيّة.

 

فما هي هذه البلدة “حاضنة الثلج” التي يعيشُ فيها الثلج لفترة طويلة من السنة لانّ منحدراتها تقع بعكس اتجاه الشمس، وما هذه البلدة التي يستريح في أحضانها كلّ من يدخل إلى أرجائها وبساتينها الغنّاء ووديانها، وترى البسمات وعلامات الفرح والسلام ترتسم على وجوه زوّارها الذين يمارسون هواية التزلّج وقضاء رحلة هادئة في فنادقها ومنتجعاتها السياحية في “فقرا” و”عيون السيمان” و”غابة الأرز” التي تقع على كتف البلدة، و”غابة الفنانين” التي تضّم ألف أرزة حيث تحمل كلّ أرزة فيها اسم فنّان، والتي أبصرت النور حديثاً في احتفال أقيم برعاية وحضور وزير البيئة فادي جريصاتي؟ إنها باختصار بلدة كفردبيان أهم مراكز التزلج في الشرق الأوسط وعاصمة السياحة الجبلية.

 

يعود إسم كفردبيان إلى أصل سرياني، وهي “كفر” تعني قرية و”ذبيان” تعني “الغزلان”. ويرّجح البعض لما تنعم به البلدة من مصادر مياه ان تكون التسمية “دبرونا” الآرامية السريانية التي تعني “موارد مائنا” هي الأقرب، وإنما أتى التحريف اللفظي الذي جعلها “دبيان” وأصبح اسمها كفردبيان.

 

 

 تقع البلدة التي تعتبر من أكبر البلدات اللبنانية في أعالي قضاء كسروان في محافظة جبل لبنان وترتفع عن سطح البحر نحو 600 متر وصولاً إلى 2850 مترا ليصّح فيها قول أبنائها “بدايتها ساحل ونهايتها جرد مثلج” وهي تبعد عن بيروت 45 كلم، وعن مدينة جونيه نحو 27 كلم، ويحدّها كلّ من حراجل وميروبا وفيطرون وفاريا شمالاً ويفصل بينها وبين هذه القرى مجرى نبع العسل، وشرقاً بعلبك المحاذية لتخومها عند مقلب جبل صنين، وجنوباً بقعاتة وبقعتوتة، وغرباً ملتقى نهري اللبن والعسل عند تخوم قضاء المتن الشمالي، حيث يشكّل هذا الملتقى صليباً أعطاه اسم نهر الصليب. وتبلغ مساحتها أربعين كيلومتراً مربعاً، وفي الإمكان الوصول إليها من أماكن عدّة، من البقاع عبر قممها البيضاء التي تغمرها الثلوج أو عبر المتن بعد سلوك طريق بكفيا بتغرين وادي الجماجم، أو عبر ساحل كسروان من يسوع الملك صعوداً نحو عجلتون وفيطرون.

أمّا تاريخيّاً، فبدأ يحكى بكفردبيان البلدة القديمة والأثرية ما لم يقّل عن ستة آلاف سنة كما تشهد عليها آثارها التاريخية العريقة ومنها آثار “فقرا” والبيوت اللبنانية القديمة والجسر القديم والمعاصر وبقايا المطاحن الموجودة في وادي الصليب.

وحسب المراجع التاريخية فقد سكن الإنسان هذه البلدة في القرن الخامس عشر قبل المسيح وشهدت ازدهاراً لانها كانت تعدّ مركز مقاطعة الجرد في عصر المتصرفية، وأول بلدة في منطقة كسروان تأسّس فيها أول مجلس بلدي في عام 1900.

 

تعتبر كفردبيان بلدة نموذجيّة وسياحية بامتياز نظراً لما تزخر به من ينابيع لا تنضب ومنها نبعا اللبن والعسل، ومناظر طبيعية خلابة ومواقع أثريّة تعود إلى حقب زمنيّة وحضارات عدّة، وإلى منتجعاتها السياحيّة التي باتت قبلة أنظار الزائرين من سائر أنحاء العالم الذين يأتون للتزلّج والتمتّع برؤية بياض الثلج الناصع الذي يكّللّها بمشهد رائع ينسحب على سهل البقاع وجبل الشيخ وصولاً إلى اللقلوق والأرز.

ومن معالمها فقرا الأثريةّ التي تضّم النواويس والهياكل والمعابد، وقد جذبت آثار فقرا إليها الرحالة الغربيين منذ القرن الثامن عشر واستوقفتهم بأبنيتها المميزّة، حتى قال فيها أرنست رينان، في كتابه “رحلة في فينيقيا”: “إنها الأكثرعظمة بين آثار جبل لبنان”. وتنقل فيها، سَنَة 1770 الرحّالة الفرنسي فرنسوا دو باجيس فوصفها وصفًا دقيقًا لاسيما آثار وادي الصليب وموقع فقرا، كما أبرز عاداتها وتقاليد الضيافة فيها.

  وتضّم الآثار “المعبد الروماني” الذي يطالع الزوّار والسياح على يمين البلدة، وهو كناية عن مجمع ديني أعيد بناؤه إلى عصور مختلفة وفق ثلاثة نصوص قديمة العهد، وهو مؤلف من 6 أعمدة بني على الطراز الكورنثي، وعلى بابه الرئيسي تطالعك مخطوطة يونانيّة وأخرى مماثلة على حجر الزاوية، كما يوجد معبد آخر من الجهة الشمالية للبلدة، وهو مؤّلف من طابقين على شكل المربّع ومزار من اثني عشر عموداً ومذبح مستوحى من الفنّ الفرعوني.

أمّا البرج الكبير الذي يتميّز بشكله المرّبع، فهو مؤلّف من طابقين ويتمّ الدخول إليه عبر درج صغير يؤدّي إلى المدخل الرئيسي الذي كان جيّد الإقفال بواسطة بابين لا تزال أثارهما ظاهرة على حجارة المدخل، ثمّ ينفصل إلى اثنين يلتقيان عند سطح الطابق الأول حيث نجد في الداخل غرفة مقفلة بواسطة باب منزلق، وهناك تظهر فتحات في حيطان البرج ومن كلّ الجهات التي كانت تستعمل لمراقبة أنحاء الموقع كافة.

وُوجد في البرج نقشان يونانيّان يفيدان أن أهالي المنطقة قد قدموا في السنة 43 لعصرنا هذا البناء للإمبراطور تيباريوس كلوديوس.

ومن المعابد في القلعة الأثرية معبد أترغاتيس آلهة الجمال والحبّ، وباتت هذه الآثار اليوم مركزاً للسياحة تقام عند أدراجها المهرجانات السنويّة وآخرها هذه السنة حيث قدّم النجم غسان صليبا حفلة مميّزة.

أما المقابر فتنتشر حول معبد أترغاتيس وبالأخص إلى جهته الجنوبية ـ الشرقية، وهي مبنية على ثلاثة أشكال: مقابر محفورة في الصخور، ونواويس منحوتة في الصخر، ومغاور مهندمة من الداخل ومؤلفة من عدة حجرات مدفنية.

كما لا يمكن للزائرأن يغفل رؤية جسر الحجر المقوّس، الذي ينساب من أسفله نبع اللبن، فهو يعكس قدرة العوامل الطبيعية بهندسة جسر طبيعيّ يُعد من العجائب، ويبلغ ارتفاعه 38 مترا فوق سطح النهر.

 

تمتاز كفردبيان بحدائقها الغنّاء وبساتينها التي تحفل بالتفاح على أنواعه “الستاركن والغولدن والنوع الجديد الذي يعرف باسم سكارليت” وبالدراق والكرز والعنب والخوخ، فضلاً عن الخضار على أنواعها، كما تمتاز بصخورها المميّزة التي تنتشر فيها وتشكّل ثروة حقيقية لها لأنها فريدة من نوعها في العالم.

منتجع “المْزار” وهو أول مركز للتزلج أُسسّ في العام 1957 ويضّم 42 منحدراً وعددا من حلبات التزلّج التي تصل مساحتها إلى ثمانين كيلومترًا، ويشهد هذا المنتجع إقبالاً على الحجوزات من قبل راكبي ألواح التزلّج وهواة ركوب العربات الثلجية ومحبّي التزلّج العميق الآتين من سائر أنحاء العالم، ويضّم هذا المزار مجموعة فنادق ومطاعم فخمة تحت إدارة نخبة من الاختصاصيين، وتأسس مركز ثان باسم “الوردي” سَنَة 2000.

مركز “نادي فقرا” الذي تأسس سَنَة 1973 على مجموعة تلال قبالة آثار فقرا، وهو مجهزّ بالمصاعد الكهربائية للتزلج شتاء ومدرج للتزلج على العشب صيفاً فضلاً عن وجود منتجعين سياحيين وفنادق ومطاعم وقصور فخمة.

وتشّكل كفردبيان وفقرا وعيون السيمان جزءا من “درب الجبل اللبناني” الذي يزيد على 350 كيلومتراً ويمتد من بلدة القبيات شمالاً إلى بلدة مرجعيون جنوباً، والمخصّص للمشي في الطرق القديمة الخالية من الزفت والتي تتيح التعرف إلى جمال الطبيعة اللبنانية والتراث اللبناني عبر مشروع “ضيافة” الذي يؤمن للزائرين والسيّاح إقامات في منازل تراثية وفنادق صغيرة بما تستلزمه من مأكولات لبنانية.

وشهدت كفردبيان في الأيام القليلة الماضية افتتاح “غابة الفنانين”على ارتفاع 2000 متر في جرود عيون السيمان برعاية وحضور وزير البيئة وبمبادرة من جمعية “غرين سيدر ليبانون” وبمشاركة جمعيّة الثروة الحرجية برئاسة التي ساعدت على غرس الأشجار مع بلديّة كفردبيان التي قدّمت الأرض، وذلك دعماً وتشجيعاً للسياحة.

 

 

 

 

 

مواقع
أخبار مماثلة