بأقلامهم >بأقلامهم
من دستور الاحتلال الفرنسي 1943 إلى الطائف العربي 1989: هل يُعيد «المتمرّدون الجدد» تجاربهم المأساوية بحق الوطن والدولة؟
من دستور الاحتلال الفرنسي 1943 إلى الطائف العربي 1989: هل يُعيد «المتمرّدون الجدد» تجاربهم المأساوية بحق الوطن والدولة؟ ‎السبت 10 09 2022 10:14 المحامي حسن مطر
من دستور الاحتلال الفرنسي 1943 إلى الطائف العربي 1989: هل يُعيد «المتمرّدون الجدد» تجاربهم المأساوية بحق الوطن والدولة؟

جنوبيات

بصراحة متناهية، ليس من امل في خروج لبنان الشعب والوطن والدولة. مما هو يتخبط فيه من فوضى عارمة وتناحر مصلحي وشخصاني وعائلي والباسه زورا وبهتانا البسة دينية، بعنصريات طائفية ومذهبية. وهذه السلوكيات لا تنتج وطن، ولا تقيم دولة ولا تصهر شعبا، ومثل ذلك المليشيا واحزابها وأدواتها والتي أخرجت بلا رجعة لحساب العيش المشترك الانصهاري  للشعب الوطني الواحد ،ولحساب اعلاء وطن لاشريك له من أحد و استعادة الدولة اللبنانية بكل مواصفات الدولة، ومثل ذلك ايضا سقوط تحكم المارونية السياسية، وتبعتها السياسة الحريرية ولا أقول السنية السياسية لأنها كانت تجربة شخص جرى دعمه من دول عربية معروفة وأخرى أجنبية ولم يكن طائفة أو تحكم طائفة هذا انصافا للحقيقة رغم أن الطائفة السنيّة أكثر من تحملت أعباء خطيرة من تلك السياسة ومجرياتها وغاياتها والتي وصلت إلى الفشل البادي، وما هو قادم للبنان حاليا تحكم الثنائية الشيعية، ولا اقول الشيعية السياسية ومن تابع من اللبنانيين موقف الجموع الشيعية في انتفاضة تشرين يدرك هذا.

ولا بد من توضيح أساسي بأن المارونية السياسية التي استمرت حوالي نصف قرن بحكم لبنان لم تكن من نتاج الطائفة ذاتها بل كانت من زرع الدولة المنتدبة فرنسا, لأسباب سلطوية تخدم مصالحها وهيمنتها على البلاد من خلال وكلاء لبنانيين وهذا مسلك كل دولة عندما تهيمن ويصبح لها اياد داخل البلد ولها عملاء يؤمنون مصالحها ونفوذها على حساب وطنهم والشعب والدولة .ولا بد من اشارة توضيحية، بأن المارونية السياسية التي هيمنت على البلاد حوالي نصف قرن أي منذ استقلال لبنان العام 1943حتى اعلان إقرار نظام الطائف الذي أنهى تركيبة للدولة المنتدبة فرنسا وأحل مكانه اتفاقا بصناعة لبنانية وطنية من نواب لبنان الذين عقدوا مؤتمرهم هذا بمدينة الطائف بالمملكة العربية السعودية وحظي الاتفاق بدعم عربي قوي  وبدعم دولي عارم باعتباره انقذ لبنان من حرب أهلية مدمرة ومن سيطرة المليشيا المتعددة الاتجاهات والارتباطات الخارجية ،ومن الذين تمردوا على الدولة ومؤسساتها وأدخلوا لبنان بل الطائفة المارونية بصراعات ومنازلات واغتصاب للسلطة الشرعية .
ومن أجل ضخ امل جديد للبنانيين بالعودة إلى مساره السابق وطناً مميزاً بين أشقائه العرب وجسر صلة وتواصل وحوار بين دول وأمم عالمية، ينبغي على اللبنانيين قادة ورواداً وأصحاب العقول النيرة البناءة إعادة قراءة تاريخ نشوء الدولة اللبنانية حتى لا يخطئ الخطاؤون ولا يتوه التائهون ولا ندفع الأثمان الباهظة مجددا من التجريبين الذين لا يتعلمون من تجارب غيرهم، ففي العام 1943وتحديدا يوم 22 تشرين الثاني كان اعلان استقلال لبنان، وقد تمكن رجالات ذاك الزمان الذين نالوا لقب الزعامة الرئيس بشارة الخوري أول رئيس جمهورية للبنان والزعيم الوطني رياض الصلح أول رئيس حكومة بعد نيل الاستقلال الوطني قيام الدولة على ثلاثة ركائز، الميثاق /الصيغة/الدستور، وباختصار نتحدث عن كل ركيزة بمفردها،. 
 الميثاق: وهو الوثيقة الشفهية غير المكتوبة المتفق عليها بين الرئيس بشاره الخوري الماروني ممثلا الجانب المسيحي بكل أطيافه والرئيس رياض الصلح السني ممثلا الجانب المسلم بكل أطيافه وكان لبنان قبل ذلك تتجاذبه رؤيتان، الاولى الوحدة مع سوريا تأكيدا لعروبته وردا على تقسيمات سايكس ،بيكو وإعادة وحدة بلاد الشام التي جرى تقسيمها استعماريا غداة الحرب العالمية الأولى وانتصار الغرب على الدولة العثمانية الاسلامية التي أخرجت نفسها من الإسلامية إلى العلمانية وادارت وجهها عن العرب الى الغرب ومنعت التدين الاسلامي وشعائره الدينية وكان ذلك بفعل حركة صهيونية فعلت جريمتها بحق تركيا والشعب التركي  المسلم بغالبيته.

الرؤية الثانية إبقاء الحماية الغربية على لبنان ممثلةً بفرنسا الام الحنون لقسم من اللبنانيين وعدم تذويبهم بالمحيط الاسلامي ودعوة الوحدة العربية وخلص لبنان الى تفاهم  لا وحدة مع سوريا ولا حماية غربية ولبنان ذو وجه عربي ودولة مستقلة وهكذا حسم الخلاف الداخلي اللبناني حول الدولة اللبنانية وحول الاستقلال المنشود، اذا لبنان المستقل عن الشرق والغرب مع الإقرار باستقلال الطوائف التي تشكل مجتمعة في إطار السيادة الوطنية. والتي باتت تشكل أطرافا لعقد الميثاق الوطني المرتبط أصلا بمرحلة الاستقلال  وإن تعددت التفسيرات والاجتهادات بين اللبنانيين حول الميثاق الوطني هذا الذي رسم معالمه مؤسِّسو الدولة اللبنانية كما أسلفنا اعلاه كان أساسا تسوية او اتفاقا غير مكتوب خرج إلى النور بدولة وافق عليها الجميع وشكل أقرب نقاط الالتقاء والتلاقي بين القادة الاستقلاليين خلافا للذين قفزوا للسلطة بفعل الحرب الأهلية وتداعياتها وتمترسوا فوقها فأصبح الوطن كله قاب قوسين أو أدنى من الزوال والاضمحلال بفعل الانهيار الشامل لكل البناء شعبا ووطنا ودولة.
الصيغة: وهي أسبق عهدا من الميثاق ومن الدستور اللاحق له وهي صيغة محدده حصرا للتلاقي بين الطوائف اللبنانية وتوزيع مؤسسات الدولة الرسمية  بين الطوائف عرفا أو قانونا بالمواقع الثلاثة بالدولة اي رئاسة الجمهورية للموارنة ورئاسة مجلس الوزراء أي الحكومة للسنة ورئاسة مجلس النواب للشيعة وإن أورثت هذه التوزيعات للبنانيين حالات اعتبرت إيجابية وأخرى سلبية وطال ذلك المؤسسات من وزارات وإدارات وتوظيفات  أحدثت بالبلاد بصيغة «ستة وستة» مكرر ووضع الطوائف بين حالتين غير مطمئنتين الخوف المسيحي والغبن اللاحق بالمسلمين وراح كل فريق يأخذ الدولة إلى جانبه إلى أن تفجرت في 13نيسان 1975 حرب أهلية دامية استمرت 16 عاما متواصلة طالت البشر والحجر والهجرة والتهجير واحدثت الخراب والتدمير والخسائر الجسيمة في الأرواح والأموال والممتلكات   وشرعت الابواب لمخططات دولية وافضت الى اجتياح اسرائيلي للبنان في حزيران العام 1982 واحتلال الجنوب والبقاع الغربي وغالبية جبل لبنان واحتلال عاصمته بيروت. واخراج المقاومة الفلسطينية منه والى باقي الأحداث المعروفة إلى أن جاء مؤتمر الطائف بمبادرة عربية ودعم دولي أنقذ لبنان من حروبه ورسم نظاما بارادات وطنية من صناعة نواب لبنان وعاد لبنان بسلمه الاهلي من جديد واعادة ترميم وبناء ما أحدثته الحرب وراح التوجه اللبناني الشعبي من خلال القوى الوطنية والقومية في لبنان الى تحرير لبنان من المحتل الصهيوني وتأسست لهذا الهدف المقاومة الإسلامية التي أبلت بلاء عظيما وكان لها الدور الأكبر  في تحرير لبنان من الاحتلال الذي ظل جاثما على لبنان واللبنانيين حتى هزيمته في أيار العام 2000.

الدستور اللبناني:  اذا كان الميثاق والصيغة معا هما عبارة عن وفاق داخلي رافقا حركة السياسة اللبنانية وتطورها ببعديها الداخلي والخارجي واعتبر ذلك تسوية مقبولة لمعضلة لبنانية،   الدستور ،المقصود الدستور الحالي 1989والذي جاء عقب مؤتمر النواب اللبنانيين بمدينة الطائف بعد أن طوي الدستور السابق عليه المنحول أصلا من الدولة المنتدبة دستور الجمهورية الفرنسية الثالثة وكان هذا سببا لمشاكل لبنانية كثيرة.
لقد شكل اتفاق الطائف والدستور الذي هو إحدى أهم نتائجه نقطة تحول سياسية رئيسية في تاريخ لبنان المستقل وذلك. بسبب أهمية التغييرات التي أدخلها إلى نظامه السياسي عبر الاصلاحات الدستورية وكلها باتت معروفة وأدلت كل من الجماعات اللبنانية السياسية و التشريعية والقضائية، والدينية والاجتماعية والمهنية بآرائها واعلنت موافقتها واضيف إليها دعمٌ عربيٌّ ودوليٌّ واسعٌ، باستثناء شخصية لبنانية كان قائدا للجيش اختار التمرد على الدولة ومؤسساتها والنواب وجعل من نفسه رئيس حكومة عسكرية مبتورة وباقي القصة وتطوراتها معروفة إلى أن قضي على حالة التمرد وصار فيما بعد رئيسا للجمهورية اللبنانية مرحبا به لا قناعة كما تبين في ما بعد وانما تجنبا لحروب داخلية جديدة سببها لا اصلاح ولا تغيير وانما التمكن من السلطة تحت عنوان صراع المحاور والذي مازال قائما حتى الآن رغم الانهيارات الكارثية التي أصابت كل لبنان بهذه السياسات الجاهلية التي تفتقر المبادئ الاولى لحكم البلاد وإدارتها وكأن الوطن بات شركة مساهمة مملوكة يتصارع عليها تجار الاوطان ويحلم بقيادتها حالمون لا تتوفر فيهم الصفات للحكم ولا للحكومات والمثل الساطع حال البلاد والعباد ومع ذلك يكابرون.
وهؤلاء المتمردون الجدد على الشعب والوطن والدولة يرون الفرصة سانحة لهم زورا وبطلانا لإعادة تجربتهم السابقة عند ذات الظروف وهي انتخاب رئيس للبلاد، حمى الله لبنان شعبا ووطنا ودولة.

المصدر : اللواء