بأقلامهم >بأقلامهم
خطاب الرئيس "أبو مازن" … وتحويله إلى خطة عمل لإنهاء الإنقسام ودحر الاحتلال
منيب رشيد المصري
بداية لا بد من أن أحيي الأخ الرئيس "أبو مازن" على خطابه التاريخي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأعني هنا وصف هذا الخطاب بالتاريخي لأنه وببساطة شديدة، أعاد القضية الفلسطينية إلى جذورها عندما ذكر إعلان بلفور، وذكر القرارين الأمميين (181 و194)، وطالب بتنفيذهما، كما ذكر مبادرة السلام العربية 2002، وأتبع ذلك بأن المجتمع الدولي، وبالممارسة العملية لا يستطيع فعل شيء مع دولة الاحتلال، وبذلك وكأنه يقول للعالم أجمع بأن حل الدولتين لا يمكن تطبيقه على أرض الواقع.
لا أريد القول بأن كلمة الأخ الرئيس توازي "خطبة الوداع" بالمفهوم السياسي، فكل ما سرده الأخ الرئيس، وكل ما طالب به الجمعية العامة هو أن ينفذوا ما اتخذوه من قرارات، قال لهم بالعامية "أريد حلاً"، وكأنه يقول لهم أنتم عاجزون، أمام وصف دولة الاحتلال ومن يقف ورائها وسمى الولايات المتحدة الامريكية كداعم أساسي للاحتلال، وهذا فيه من الشجاعة والحقيقة ما لا يدع مجالاً للشكل بأن الأخ الرئيس يريد أن يسمي الأمور بمسمياتها الصحيحة.
الخطاب شكل نقطة تحول في الصراع، فليس من فراغ أن الأخ الرئيس ذكر بأن القرار الفلسطيني قراراً مستقلاً، مبرقاً رسالة للعالم أجمع بأنه لا يمكن لأحد أن يلعب في الوضع الداخلي الفلسطيني، وهذه إشارة مهمة، إذا صح فهمها، من أجل دعم جهود الشقيقة الجزائر في إنهاء الانقسام، فعلى الكل الفلسطيني أن ينتبه لهذه العبارة لأن توظيفها داخلياً فيه منفعة كبيرة لإعادة البوصلة نحو القدس، وإعادة توظيف كل تناقضاتنا الداخلية تجاه الاحتلال ومن يدعمه.
لا شك بأن هناك العديد من الرسائل الداخلية والخارجية التي احتواها هذا الخطاب، وليس أهمها فقط أسر الشهداء والأسرى والجرحى، بل أيضاً أن الشعب الفلسطيني واحد موحد في كل أماكن تواجده تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية، وهذا أيضاً مهم جداً في إعادة ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني، إذا ما أضفنا عليه ما قاله أيضا فيما يتعلق بالعلاقة مع "إسرائيل" التي هي علاقة بين شعب تحت الاحتلال ودولة محتلة، وهذا فيه إشارة إلى ما تم اتخاذه من قرارات في المجلس المركزي وإمكانية تطبيق هذه القرارات إذا لم تدخل "إسرائيل" في مفاوضات ليس على مبدأ حل الدولتين وإنما على أساس تطبيق هذا الحل على أرض الواقع.
في الجانب الداخلي الفلسطيني، فتح خطاب الرئيس أفقاً مهما في إعادة توحيد الشعب الفلسطيني، ونأمل من جميع الأخوة أن يستجيبوا لهذا وأن يدعموا الجزائر في مساعيها نحو إنهاء الانقسام، فالارض ممهدة وما تبقى يتمثل في تحييد كل المصالح الحزبية والشخصية، ورفض أي تدخل خارجي، والذهاب نحو إنهاء الانقسام على أساس برنامج سياسي تحرري يوقف حالة السقوط والتشرذم المعاشة.
لا أعتقد بأن قضية إنهاء الانقسام بحاجة إلى مزيد من الحوارات، بل بحاجة إلى نوايا حسنة، وقدرة على التخلص من كل الضغوطات ووضع مصلحة الشعب الفلسطيني على رأس الأولويات، وأن تكون بوصلة الجميع نحو القدس درة التاج وعاصمة الدولة العتيدة.
إنهاء الانقسام يبدأ بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه بين الطرفين (فتح وحماس) ابتداءً باتفاق مكة الذي كان قبل الانقسام في شباط 2007، مروراً بكل الاتفاقيات التي اعقبته مثل الورقة المصرية 2009، واتفاق القاهرة 2011، واتفاق الدوحة 2012، واتفاق الشاطئ 2014، واتفاق القاهرة 2017، واجتماعات القاهرة 2021.
ولا شك بأن إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية الإطار الجامع للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، فهي بحاجة إلى دمقرطة حياتها الداخلية وتقوية مؤسساتها، وانضمام جميع الفصائل اليها، لأن إبقاء المنظمة على هذا الحال لا يخدم أحدا بل يساهم في تهميشها، فالمطلوب الآن هو الاتفاق على آلية تعيد الاعتبار لها، والانتخابات هي أساس دمقرطة مؤسساتها، وهناك اتفاق العام 2005، وكذلك قرارات المجلس المركزي 2015 و2018، كفيلة بإعادة الاعتبار للمنظمة كهوية جامعة للشعب الفلسطيني.
وبعد خطاب الرئيس وما حمله من دلالات سياسية، وبخاصة إعادة صياغة شكل وطبيعة الصراع، وذكره لقرار (181)، هناك أهمية كبيرة لإعادة صياغة العلاقة ما بين منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية من حيث إعادة تعريف وظائفها وتحديدها بكونها ذراع المنظمة لإدارة شؤون الفلسطينيين في الأرض المحتلة عام 1967، فاستمرار الوضع الحالي في طبيعة العلاقة التي تحكم المنظمة مع السلطة يؤشر إلى ذوبان المنظمة في هياكل السلطة، وهذا الأمر له تبعات سياسية سيئة جدا على وحدة الشعب الفلسطيني وعلى المشروع الوطني بشكل عام.
وكذلك هناك حاجة إلى إعادة مفهوم الشراكة السياسية الكاملة وعدم الاستفراد بالقرارات، يبدأ من إصلاح وتطوير وتفعيل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية على أسس ديمقراطية أساسها الانتخابات، وإن البدء بدمقرطة مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية يشكل أساسا لإعادة الحياة بقوة إلى المجلس الوطني، والمجلس المركزي، والنقابات والاتحادات، وحتى الأحزاب التي فقدت دورها الفاعل في أوساط الشعب الفلسطيني، وتشجيع تأسيس تجمعات وحركات وأحزاب جديدة وتمكينها وتسهيل دمجها في النظام السياسي وفي هياكل منظمة التحرير الفلسطينية، التي هي هياكل تمثيلية تأخذ شرعيتها من صندوق الاقتراع، ووجودها ضرورة لحماية المجتمع وتحصين وتقوية وضعه الداخلي، لتمكين وتعزيز صموده وزيادة وتوسيع مشاركته في المقاومة بجميع أشكالها.
كلنا أمل بان يتم استثمار خطاب الأخ الرئيس في تمتين الوضع الداخلي، وأن نصل بمساعدة الجزائر ودعمها إلى إنهاء الانقسام، وأن نبدأ فعلاً لا قولاً بتوظيف تناقضاتنا الداخلية باتجاه الاحتلال، فلا مفر لنا سوى مواصلة درب الشهداء والأسرى، نحو فلسطين حرة مستقلة ديمقراطية تتسع لجميع مواطنيها.