مقالات مختارة >مقالات مختارة
لماذا لا نمنح الجنسية اللبنانية بالاستثمار؟
لماذا لا نمنح الجنسية اللبنانية بالاستثمار؟ ‎السبت 1 10 2022 09:48
لماذا لا نمنح الجنسية اللبنانية بالاستثمار؟

جنوبيات

نشرت صحيفة (LA LIBERATION) الفرنسية في 4 آب الماضي وهي الذكرى الثانية لانفجار المرفأ، خبرا عن التحضير لمرسوم جديد يقضي بمنح الجنسية اللبنانية لأكثر من أربعة آلاف شخص، قبل نهاية عهد الرئيس ميشال عون، وضمنت الخبر انّ ثمن الجنسية هو 50 ألف يورو للشخص الواحد و100 ألف يورو مع الزوج أو الزوجة، وقدّرت الصحيفة أن المبلغ الناتج عن هذه العملية لا يقلّ عن 400 مليون يورو، ستقسم بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ووزارة الداخلية والبلديات. وقد استدعى هذا الخبر – الفضيحة ردودا نافية من الجهات الثلاث : من رئاسة الجمهورية ومن رئاسة الوزراء ومن وزارة الداخلية والبلديات. ومع أن منح الجنسية اللبنانية لبعض المتمولين في آخر كل عهد أصبح أمرا مألوفا، ولكنه المرة الأولى الذي يعلن فيها عن قبض أموال مقابل منح الجنسية.

ولقد أثار هذا الخبر جدلا واسعا على الصعيد السياسي وأفردت له وسائل الإعلام حيزا واسعا لمناقشته، وبين نفي من فريق وتأكيد من فريق آخر وصل إلى حد التأكيد بأن المفاوضات لم تتوقف ووصل إلى أنّ بعض المحللين ذكروا بأنّ العدد قد تجاوز السبعة آلاف أي أن المبلغ يمكن أن يصل إلى حوالي 700 مليون يورو.

ولن أدخل في الدفاع عن هذا الفريق أو ذاك، ولكن أودّ مناقشة موضوع منح الجنسية من زاوية أخرى;

كيف يتم منح الجنسية اللبنانية؟ وكيف يتمّ التجنيس؟..
قانون الجنسية اللبناني قديم جدا وما زال لبنان الرسمي يعترف به مع أنه وضع أثناء الانتداب الفرنسي وهو القرار 15/s تاريخ 19/1/1925، الذي أصدره المفوض السامي موريس ساراي وقد عدّل هذا القرار مرات عدة ومع هذا ما زال معمولا به، غير أن مجلس الوزراء عيّن بموجب القرار رقم 20 تاريخ 5/11/1992 لجنة وزارية لاعداد مشروع قانون للجنسية برئاسة الوزير الراحل ميشال إده، ولكن هذه اللجنة رغم تكرار اجتماعاتها لم تنجز ما هو مطلوب منها وبالتالي بقي القرار 15/s تاريخ 19/1/1925 نافذا. ولكن هنالك إشكالية المادة 3 في القرار المذكور فقد ألغيت هذه المادة بموجب القانون الذي صدر بتاريخ الأول من أيار 1939، ولكن هذا القانون ألغي هو الآخر بموجب المرسوم الاشتراعي الذي صدر بتاريخ 31 أيار 1940 وبالتالي أعيدت الحياة لهذه المادة.
وقد حدّدت المادة 3 المذكورة ثلاث حالات لاكتساب الجنسية اللبنانية وهي تنص كما يلي: «يجوز أن يتخذ التابعية اللبنانية بموجب قرار من رئيس الدولة بعد التحقيق وبناء على طلب يقدمه:

(1) الأجنبي الذي يثبت إقامته سحابة خمس سنوات غير منقطعة في لبنان (2) الأجنبي الذي يقترن بلبنانية ويثبت أنه أقام مدة سنة في لبنان إقامة غير منقطعة منذ اقترانه (3) الأجنبي الذي يؤدي للبنان خدمات ذات شأن. ويجب أن يكون قبوله بموجب قرار مفصل الأسباب».

واستنادا لهذه المادة وخاصة الفقرة الثالثة تصدر جميع مراسيم التجنيس.

وقد واجهت هذه المراسيم عند صدورها وخاصة المرسوم 5246 لعام 1994 الذي صدر في عهد الرئيس الراحل إلياس الهراوي ردود فعل شديدة وخاصة لإخلالها بالتوازن الطائفي، وللعدد الكبير الذين تم تجنيسه والذي تجاوز الـ180 ألفا، ولا زالت النزاعات بشأنه عالقة حتى اليوم رغم مرور قرابة ثلث قرن عليها.

ولكن المسألة المطروحة لمناقشتها ليس من باب ما إذا كان يجوز إصدار المرسوم أم لا، بل من حيث مصلحة الدولة، وهي إمكانية إستفادة الخزينة اللبنانية من مراسيم التجنيس التي يصدرها رئيس الجمهورية. فقد سلّطت صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية الضوء على الإستفادة المادية من مرسوم التجنيس موضع البحث والتي تصل إلى أكثر من 400 مليون يورو للمستفيدين منه، فلماذا لا تكون هذه الفائدة هي للخزينة اللبنانية، أي لا رشاوى ولا تنفيعات بل رسوم واستثمارات في لبنان، ولا يحتاج الأمر لنص قانوني لأنّ الفقرة 3 من المادة 3 من القرار رقم 15 قد تضمنت النص القانوني فهي أشارت إلى «الأجنبي الذي يؤدي للبنان خدمات ذات شأن». فهذه الخدمات يمكن أن تكون على شكل استثمارات أو تسديد الرسوم التي تغذّي مالية الدولة أو غير ذلك من خدمات. فالحاجة هي استصدار الأسس الإدارية لاستيفاء الرسوم، وذلك بالتنسيق بين الداخلية والمالية.

قد يقال أن الوقت لم يعد يسمح، ولكني أرى ان المباشرة بالأمر هو الأساس ولنترك من يأتي بعدكم متابعة الموضوع.
إنّ منح الجنسية بالاستثمار معمول به في معظم الدول المتوسطية وخاصة جيراننا من قبرص إلى تركيا إلى اليونان وصولا إلى إسبانيا والبرتغال. حيث لا تقل الرسوم عن الـ100 ألف دولار أو يورو للشخص الواحد إضافة إلى القيام بمشاريع الاستثمار داخل الدولة. وتلجأ بعض الدول إلى الإعلان عن هذا الأمر بالصحف، وترفق الإعلان بمغريات من الإقامة إلى التأشيرات وجواز السفر الثاني. وهذا يدل على المكاسب التي تحققها هذه الدول من هكذا مشروع.


ومسألة الحصول على جنسية ثانية هي رغبة عدد كبير من الناس وخاصة المتمولين منهم، ولأكثر من سبب، مثل التهرّب الضريبي، أو حرية أكثر في الحركة، أو سهولة أكبر في الحصول على تأشيرات دخول. وحسب دراسة أجرتها شركة
«C. A. GLOBAL PARTNER» فإنّ ما نسبته 34% من المتمولين يسعون للحصول على جنسية ثانية.
فلنتصور أن الـ400 مليون يورو، المبلغ الذي ذكرته الصحيفة الفرنسية، دخلت خزينة الدولة بدلا من دخولها الحسابات الشخصية تكون الحكومة قد غطت العجز في الموازنة. ومثل هذا المورد يجب التركيز عليه وخاصة في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان.
إن الدعوة لاعتماد منح الجنسية بالاستثمار لا يمكن أن تنجح إلا إذا تحقق فيها أمران، أولا التوازن الطائفي والثاني المعيار الموضوعي في تقدير الخدمات التي تعتمد لمنح الجنسية.
الأمر يا معالي الوزير يحتاج لموقف، وكما قال فخامة الرئيس: لا يمكن لأحد أن يرغمكم على التوقيع.

 

المصدر : اللواء - زيدان الصغير