بأقلامهم >بأقلامهم
بالنظام "سِفْرُ عاموس" (2)
جنوبيات
منذ أسبوعين ورد في زاوية "بالنظام" أن السؤال الذي يجب طرحُه هو ما الذي يضمن أن إسرائيل لن تنسحب من الاتفاق بعد انتخاباتها إذا تغيرت فيها الأكثرية الحاكمة؟ أو أن يقوم نتنياهو بتمزيقه على طريقة حليفه ترامب؟ وأتى الجواب على لسان نتنياهو منذ أيام بأنه لن يلتزم الإتفاق. طبعاً ليس لأن دولته مظلومة بل لأنه يعتبر أن بإمكانه تحقيق المزيد من المكاسب على حساب حقوق #لبنان بعد أن تنازل الأخير عن التمسك بحقه الثابت بالخط 29.
في دولة الاحتلال يُقتل من يُقدم على الحلول السلمية حتى وإن كان هذا السلام غير عادل ولا يعيد الحقوق إلى أصحابها بحدها الأدنى. في العام 1995 قَتَل "يجال عامير" رئيس الوزراء الأسبق اسحاق رابين الذي قاد مسار المفاوضات واتفاقيات اوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية. ورابين لم يكن حمامة سلام، بل هو أحد كبار جنرالات الحرب في اسرائيل فقد كان رئيس الأركان في عدوان 5 حزيران 1967، كما كان وزير الحرب في اسرائيل منذ العام 1984 وحتى 1990، وهو الذي أصدر الاوامر الشهيرة الداعية الى تكسير عظام الفلسطينيين في الانتفاضة الفلسطينية الاولى.
أما وقد ذاب ثلج المفاوضات وبانَ ما توصلت إليه فإن الكلام في الأمر خارج إطار التوقّع والترقّب أصبح ممكناً. وما دام النقاش في داخل المؤسسات الدستورية، مجلس الوزراء ومجلس النواب، لم يحصل حتى الآن كما هو مفترض فإنه يبقى للرأي العام أن يطّلع ويناقش ويحكم وإن كان لحكمه أثر ضعيف على مسار الأمور.
في المضمون، لبنان لم يتمسك بحقه الثابت بالخط 29 الذي يستند إلى دراسات علمية وقانونية لم يتم إبراز ما يناقضها، فهو يستند إلى قاعدة الانطلاق من نقطة برية ثابتة في رأس الناقورة وأي انحراف عن هذه النقطة يحتاج إلى تبرير مقنع ليس متوفراً. والمبالغ التي اتفق على أن تتقاضاها إسرائيل من توتال التي ستستثمر حقل قانا ليست إلا المقابل المالي لما تعتبره حصتها فيه، فالموجب المالي في القانون له مصدر وهو إما ينتج عن عقد أو عن قانون أو عن فعل ضار يستوجب التعويض، إلا إذا كان موجباً طبيعياً كموجب الوالدين تجاه الأولاد. وهذا ما يحمل على اليقين بأن الإقرار بحق إسرائيل بتقاضي المال من الشركة إنما هو شراكة مقنّعة سواء كانت المبالغ مقطوعة أم نسبية.
أما التبريرات المنطلقة من واقع لبنان المزري ومن موازين القوى فهي بذاتها إدانة للمتنازلين لأنهم لا ينفكون يتحدثون عن قوّة لبنان التي أرغمت العدوّ على قبول مطالبه كاملة. قبول مطالب لبنان وليس حقوقه، أي أننا نحن من حدّد السقف المنخفض أصلاً وقبول هذا السقف لا يمكن وصفه انتصاراً لأنه أقل بكثير من سقف الحقوق الثابتة.
إسرائيل تحقق المكاسب وتتشدد في الأمتار الأخيرة. ومفاوضات السلام مع سوريا توصلت في العام 2000 إلى الاتفاق على الانسحاب حتى حدود 4 حزيران 1967 ولكنها توقفت على بضعة أمتار على شاطئ بحيرة طبريا. وعلى الجهة اللبنانية يعتبر هؤلاء أن حدودهم تصل إلى الليطاني. والصراع الانتخابي هناك يحكم مسار التفاوض ومصير الاتفاق، ولهذا عندما أيقنوا أن الجانب اللبناني أصبح نفسياً قابلاً للتنازل والاتفاق، كان على حكومة لابيد أن تُظهر تشدّداً قد يكون شكلياً، كما يحصل عندنا، لحفظ ماء الوجه وعدم خسارة الرأي العام ولكن هذا التشدّد قد يُطيح المسار برمتّه وقد يؤدّي إلى الحرب.
"سِفرُ عاموس" أحد أنبياء العهد القديم وموضوعه دينونةٌ تقع على إسرائيل وعلى الأمم المجاورة، قد تكون نبوءته على وشك التحقق.