لبنانيات >أخبار لبنانية
منعاً للتفريط وهدر عائدات نفط لبنان.. اليكم كل التفاصيل عن الصندوق السيادي
منعاً للتفريط وهدر عائدات نفط لبنان.. اليكم كل التفاصيل عن الصندوق السيادي ‎الاثنين 17 10 2022 10:04
منعاً للتفريط وهدر عائدات نفط لبنان.. اليكم كل التفاصيل عن الصندوق السيادي


بعدما أعلن لبنان موافقته الرسمية على اعتماد الصيغة النهائية التي أعدها الوسيط الأميركي لترسيم الحدود البحرية الجنوبية أموس هوكستين، أضحت الطريق سالكة، للتنقيب واستخراج الغاز، وخصوصاً مع تصريح رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون أنه "في الاتي من الأيام، سيكون على شركة "توتال" أن تبدأ اعمال التنقيب في حقل قانا كما وعدت". 

في ظل ذلك، يتطلب تحضيرات وإستعدادات جزء منها قانوني وآخر لوجستي، وأبرزها إنشاء الصندوق السيادي، إذ تنص المادة الثالثة من "قانون الموارد البترولية في المياه البحرية" على أن "تودع العائدات المحصلة من قبل الدولة الناتجة عن الأنشطة البترولية أو الحقوق البترولية في صندوق سيادي، ويحدد نظام الصندوق ونظام ادارته الخاصة، ووجهة استثمار وتوظيف واستعمال العائدات بموجب قانون خاص بالاستناد الى مبادئ وأسس واضحة وشفافة للتوظيف والاستعمال، تحتفظ من خلالها الدولة برأس المال وبجزء من عائداته بمثابة صندوق استثماري للأجيال المقبلة، وتصرف الجزء الآخر وفقا لمعايير تضمن حقوق الدولة من جهة، بما يجنّب الاقتصاد أية انعكاسات سلبية محتملة على المدى القصير والطويل".

ويلفت النائب في كتلة اللقاء الديمقراطي، فيصل الصايغ  في حوار مع "الأنباء الإلكترونية" الى أن هناك عدة إقتراحات مقدمة من كتل مختلفة حول هذا الموضوع، وقدم رئيس كتلة اللقاء الديمقراطي، النائب تيمور جنبلاط "إقتراح قانون الصندوق السيادي".

ويشير الصايغ الى أنه "كان قد بدأ النقاش حول الصندوق السيادي في لجنة الأشغال العامة والنقل قبل الإنهيار الإقتصادي، وكان واضحاً من النقاشات الأولية أن هناك تناقضات بين الكتل على إدارة الصندوق وإذا كانت تخضع إدارته لوزارة المالية أو المصرف المركزي، او للحكومة أو للجنة معينة، لذلك، قد يستغرق تشكيل الصندوق السيادي وقتاً".

ويضيف الصايغ: "من هنا طرحنا ككتلة لقاء ديمقراطي فكرة أن نتعاطى مع الثروة الغازية مثل تعاملنا مع الذهب، من خلال إقرار قانون يمنع التصرف بعائدات الغاز والنفط دون المرور بمجلس النواب أولاً، وعدم التصرف بها قبل صدور قانون الصندوق السيادي وقانون الشركة الوطنية". 

ويشير الصايغ الى أن القانون المقدم يطرح موضوعين أساسيين. أولاً، شركة وطنية تدير هذا القطاع، كما كل دول العالم على سبيل المثال آرمكو في السعودية وشركة تسويق النفط (سومو) في العراق، ويكون لهذه الشركة صلاحيات وتكون متخصصة وتملك خبرة ومؤهلات تمكنها من إدارة هذا القطاع والتعاطي مع العملاء التجاريين وشركات الخدمات كي لا تحصل إستنسابية. 

ويشدد الصايغ على أنه مع ظهور عائدات الغاز يتعين وجود صندوق سيادي، في ظل حوكمة وسياسة واضحة في كيفية التعامل مع هذه المبالغ.

ويؤكد الصايغ ان الكتلة "ضد فكرة أن تصرف عائدات الغاز المستخرج على الموازنة أو تستعمل لمصاريف غير مجدية، فهي من المفترض أن تكون أموال للأجيال القادمة، مشيراً الى أن القانون الذي أنشىء وفقه الصندوق يحدد بشكل واضح نسبة العائدات التي تدخل الى الموازنة والتي من المفترض ان تكون بنسبة قليلة جداً، وما هي النسبة التي تستثمر لزيادة موجودات الصندوق وتستخدم في الإستثمارات العالمية وليس فقط المحلية.

وبالمقابل، ثمة من يتخوف من تسييس معين في إدارة القطاع عقب الإستخراج، ويتخوف من تكرار تجربة قطاعي الإتصالات والكهرباء وغيرها، وفي هذا الإطار يشدد الصايغ على أن تكون الشركة الوطنية بمثابة الهيئات الناظمة، وتتمتع بحرية وإستقلالية وقادرة أن تأخذ قرارات، وإلا حتما سيحصل تدخل، ونحن هدفنا الا يتم تسييس الموضوع.

تجارب دولية ناجحة وتوصيات 

ويشير الخبير الاقتصادي، الوزير السابق والاستشاري في شؤون الصناديق السيادية، ناصر السعيدي في إتصال مع "الأنباء الإلكترونية" الى أن صندوق الثروة الوطنية (National Wealth Fund) يجب أن يكون مستقلاً وتتم إدارته بتخصصية وألا يخضع لوزارة المالية أو أي وزارة اخرى، مشدداً على أن يكون مستقلاً عن السياسية لأنه اداة للحفاظ وحماية الثروة للأجيال القادمة.

ويشير السعيدي الى أن كل الأصول الثابتة للدولة والصالحة للإستثمار التجاري يجب أن توضع تحت إدارة صندوق الثروة الوطنية.

أما حول النفط والغاز تحديداً، يلفت السعيدي الى أنه يتم إنشاء صندوق النفط (Petroleum Fund)، ويديره صندوق الثروة الوطنية، على أن تدخل اليه مباشرة جميع الإيرادات والأموال من عائدات النفط والغاز، عبر حساب مصرفي منفصل في المصرف المركزي، بالعملات الأجنبية.

ويؤكد السعيدي ضرورة  أن يخضع كل من صندوق الثروة الوطنية وصندوق النفط الى التدقيق الخارجي من قبل إحدى أكبر شركات التدقيق الأربع، لافتاً الى وجوب نشر حسابات مدققة بصورة منتظمة كل ثلاثة أشهر وسنوياً وتقرير سنوي مدقق، بالإضافة الى تقديم تقريرهما إلى مجلس النواب ومجلس الوزراء.

الى ذلك، يشدد السعيدي على أنه يتعين الإمتثال الى مبادرة الشفافية في مجال الصناعات الاستخراجية (EITI)، هو معيار عالمي للحكم الرشيد للنفط والغاز والموارد المعدنية، وأيضاً الإلتزام بقانون "تعزيز الشفافية في قطاع النفط والغاز"، بالإضافة الى توصيات منظمة "أنشر ما تدفع "(PWYP)، وهي تحالف المجتمع المدني الذي يقوم بحملات لتحقيق الشفافية في مسائل الدفع واستلام وإدارة العائدات من النفط والغاز وصناعات التعدين.

يعتبر السعيدي، أن سنغافورة هي أفضل مثال على الإدارة والإستثمار الأمثل للثروات الوطنية، إذ أن شركة الاستثمار تماسيك(Temasek) ، التابعة للحكومة السنغافورية، تدير محفظة واسعة من القطاعات وتشمل الخدمات المالية، والاتصالات، والإعلام والتكنولوجيا، والنقل والصناعة، وعلوم الحياة والأعمال الزراعية، والمستهلكين والعقارات، والطاقة والموارد، الخ.. 

وتجدر الإشارة الى أن تماسيك تمتلك وتدير محفظة صافية بقيمة 313 مليار دولار.

الإستقلالية والرؤية الإقتصادية!!

بحسب مؤشر حوكمة الموارد لعام 2021، حصل لبنان على نتيجة 53 نقطة من اصل 100 في حوكمة قطاع النفط والغاز الناشىء،  وذلك في التقييم الذي أجراه معهد حوكمة الموارد الطبيعية. وخضع لبنان وقطاع الغاز والنفط في لبنان للمرة الأولى للتقييم حول المكونات الثلاثة الضرورية لحوكمة الموارد بكفاءة، مسجلاً نتيجة "مقبول" (73 نقطة) على صعيد قدرته على تحقيق القيمة من القطاع بحسب مؤشر حوكمة الموارد، و"ضعيف" في إدارة العائدات (50 نقطة) و"سيئ" على صعيد البيئة التمكينية (36 نقطة).

وفي هذا الصدد، يحث الصايغ على التعاطي بجدية مع هذا الإستكشاف، مع حالة النفط والغاز في لبنان، والإسراع في وضع كل القواعد والأسس التي تضمن الشفافية وتضمن الحوكمة وتضمن أن تحفظ هذه الثروة للأجيال القادمة وتساهم بنمو الإقتصاد اللبناني.

الى ذلك، إن إستخراج النفط والغاز قد لا يعني أن لبنان سينتقل بين ليلة وضحاها الى مصاف الدول الغنية والمزدهرة، وذلك مرده الى أن إدارة قطاع النفط والغاز أو أي مورد وطني أو أصول ثابتة أو مصالح إستثمارية اخرى يوجب تطبيق معايير وقواعد ومنهجية محددة، تضمن الإستثمار الأنجع والأكثر فائدة للأجيال الحالية والقادمة. لذا، إن الإستراتيجية التي تتبعها الدول والحكومات في إدارة إستخراج النفط والغاز تحدد مدى إيجابية النتائج على شعبها.

وفي هذا الإطار، ثمة دول عدة غنية بالثروات الطبيعية، إنما شعوبها من أفقر شعوب العالم، وعلى سبيل المثال القارة الأفريقية الغنية بالموارد الطبيعية. كذلك، فنزريلا تملك أكبر إحتياطي نفط في العالم، لكنها تستورد النفط المكرر، وذلك بسبب سوء الإدارة.

من جانب آخر، إن النظام الاقتصادي الذي تتبعه الدولة وإستراتيجية إدارة الثروة الطبيعية والقطاعات الإنتاجية يلعبان دوراً أساسياً في تحديد مدى إنتفاع الدولة وشعبها من عائداتها. لذا لبنان أمام تحدي أساسي ومصيري، خصوصاً بعدما أثبت فشل إدارة قطاعات ومرافق إستثمارية وتجارية عديدة ومنها الإتصالات والكهرباء والأملاك البحرية والمرافىء الخ.. فمثلاً من يمكن أن ينسى أن اللجنة المؤقّتة لإدارة واستثمار مرفأ بيروت بقيت مؤقتة لسنوات طويلة لأسباب معلومة من الجميع. 

وعليه، إن التحدي اليوم يتمثل في وضع أسس مستقبل قطاع الغاز والنفط وإدارة إيراداته وعائداته وفق إستراتيجية متكاملة وشاملة ومستدامة، تمنع أن يتبخر الغاز في أزقة التجاذبات السياسية وزواريب المصالح الفردية أو الشخصية الضيقة.

المصدر : الأنباء