مقالات مختارة >مقالات مختارة
العفو الخاص حق دستوري استثنائي
جنوبيات
العفو لغة، مصدره: عفا، يعفو، عفوا. قانونا: العفو نوعان: عام، وخاص.
العفو العام هو «مؤسسة قانونية» في التشريع الجزائي اللبناني. عماده قانون اجتماعي واخلاقي يسمى «قانون النسيان» لأنه ينزع عن الفعل صفته الجرمية بأثر رجعي. فإذا صدر قانون العفو العام قبل صدور الحكم فإنه يحول دون ملاحقة الفعل الذي شمله القانون. وإذا وقع خلال سير الدعوى العامة يتوقف السير بها وتتابع الدعوة المدنية امام المرجع الجزائي ذاته. اما اذا صدر بعد صدور الحكم فإنه يمحوه.
يصدر العفو العام بقانون عن مجلس النواب. وله الصفة الموضوعية او العينية لأنه يصدر بالنسبة لطائفة من الجرائم وليس بالنسبة لأشخاص فاعليها بحيث يستفيد منه كل من اقترف هذه الجرائم مهما كانت صفته وسنه وجنسيته ... من هنا وصفه بعد فقه الجزاء بأنه «شكل اعمى من اشكال الرحمة».
زد على ذلك ان العفو العام هو من الإنتظام العام اي ان القاضي ملزم بتطبيقه من مجرد علمه به ولو لم يطلب تطبيقه احد.
اما العفو الخاص فهو اجراء فردي او شخصي يتخذه رئيس الدولة بعد استطلاع رأي لجنة العفو لمصلحة المحكوم عليه بناء لطلبه بإعفائه من كامل العقوبة او من بعضها او استبدالها بعقوبة اخف. لكن لا يجوز ان يتضمن مرسوم العفو الخاص تعديلا لطريقة تنفيذ العقوبة مثل استبدال وسيلة الشنق مثلا بوسيلة اخرى. كذلك لا يستفيد من العفو الخاص من تكون عقوبته قد انقضت لأي سبب من اسباب انقضاء الأحكام كالوفاة او مرور الزمن...
يتضح مما تقدم ان العفو الخاص يصدر بمرسوم عن رئيس الدولة ويطبق حصرا على الشخص المحدد فيه من دون المسهمين معه في ذات الجرم.
يقتصر العفو الخاص على تنفيذ العقوبه ويؤدي الى سقوطها. اما حكم الإدانة فيضل قائما ومنتجا لجميع مفاعيله ما لم تستثنى صراحة بالمرسوم.
لا يشمل العفو الخاص العقوبات الفرعية والإضافية ولا التدابير الإحترازية. ويبقى الحكم المشمول بالعفو صالحا لإحتسابه في التكرار واعتياد الجرائم.
لا يجوز منح العفو الخاص الا لمن اصبح الحكم بإدانته مبرما. ويمكن ان يستفيد من العفو الخاص الشخص المعنوي لأن العفو يطال الحكم وليس الأشخاص.
للعفو الخاص الطابع الإلزامي اي انه لا يحق لمن استفاد منه ان يرفضه. ويجوز منحه لمن لم يطلبه اذا كان ملفه مستوفيا الشروط القانونية.
قد اشترط القانون ان يمر العفو الخاص اولا بلجنة قضائية تسمى «لجنة العفو» وهي مؤلفة من ثلاثة قضاة من قضاة مجلس القضاء الأعلى. تدرس هذه اللجنة بعد استطلاع رأي النائب العام التمييزي ملف العفو فإذا وجدته مستوفياً الشروط القانونية فإنها تنظم تقريرا بالواقع ثم تودعه وزير العدل الذي يودعه رئيس الحكومة ثم رئيس الجمهورية لإصدار المرسوم. بيد ان رئيس الجمهورية ليس ملزما بتبني تقرير لجنة العفو ولو كانت شروط العفو متوفرة.
ان حق رئيس الجمهورية بإصدار مرسوم العفو الخاص هو حق دستوري خاص به وحده وفقا لما قررته الفقرة 9 من المادة 53 من الدستور. لذلك لا يحق لحكومة تصريف الأعمال التي تتولى الحكم وكالة عن رئيس الجمهورية في حال شغور هذا المركز ان تصدر عفوا خاصا لأن هذه الصلاحية هي من الصلاحيات اللصيقة برئيس الجمهورية.
ان حق رئيس الدولة بمنح العفو الخاص لا يستند الى كونه ممثلا للسلطة التنفيذية وانما بإعتباره ممثلا لجميع سلطات الدولة بما فيها السلطة القضائية. لذلك يعتبر العفو الخاص عملا من اعمال السيادة «”Acte de Gouvernement ويخرج بالتالي عن كل مراجعة طعن خاصة لأن مرسوم العفو لا يستند الى اعتبارات الشفقة والرحمة على المحكوم عليه وانما على ما استنسبه رئيس البلاد من ان عدم تنفيذ العقوبة او ما تبقى منها لا يلحق اي ضرر بالمصلحة العامة.
رأى البعض ان العفو الخاص هو منحه تبررها مصلحة المجتمع وليست حقا للمحكوم عليه، وربما كانت سبيلا لإصلاح الأخطاء القضائية التي ظهرت بعد صيرورة الحكم مبرما. كما يمكن اعتباره وسيلة لمكافأة المجرم على حسن سلوكه الذي ظهر خلال تنفيذ العقوبة.
ولكن ثمة من يعترض على العفو الخاص ويعتبره غير منسجم مع النظام القانوني لأنه يخول شخصا هو رئيس الجمهورية حق ابطال مفعول حكم قضائي، فضلا عن انه يشكل خرقا لمبدء فصل السلطات، وخوفا من ان يصبح نوعا من المحاباة.
غير انه على الرغم من هذه الإنتقادات التي وجهت الى مؤسسة العفو الخاص،نرى أن معظم تشريعات الدول مهما كان نظام الحكم فيها تعترف لرئيس الجمهورية بحق منح العفو الخاص شرط ان يكون من شمله مستحقا له، وشرط ان يستعمله رئيس الجمهورية بحذر وعلى اضيق نطاق.
مدَّعي عام التمييز سابقاً