بأقلامهم >بأقلامهم
نتنياهو وترامب
جنوبيات
مع الآفاق التي تطل علينا جرّاء حملة الانتخابات الأمريكية النصفية، والإعلان المرتقب لدونالد ترامب لترشيح نفسه للإنتخابات الرئاسية القادمة، بعد انتهاء ولاية بايدن الذي أعلن أيضاً نيته بالترشح للمرة الثانية عن الحزب الديمقراطي في الإنتخابات القادمة، على الرغم من أنّ المؤشرات تشير إلى أنّ هناك ثلاثة من بين كل أربعة أعضاء من الحزب الديمقراطي يعارضون ترشحه عام 2024، وحيث أنّ نتائج الانتخابات لمقاعد الكونغرس تسير لصالح الجمهوريين، فإنّ عودة صاحب ما يسمى بـ"صفقة القرن" إحتمال وارد.
وكما نعلم، فإنّ ترامب لم يكن من النخبة الاقتصادية أو السياسية المثقفة، وإنما هو لا يفهم إلّا لغة البيع والشراء، حتى أنّ علاقاته مبنية على هذا الأساس، فهو استغلالي بالدرجة الأولى، يستغل ويجبر من يناشدهم على الوقوف معه لصالح أهدافه ومصالحه الشخصية، كما أنه صديق وداعم لنتنياهو ولـ"إسرائيل".
في الجانب المقابل في دولة الكيان، وصل نتنياهو إلى الحكم، وها هو في طور تشكيل حكومة مؤلفة من المتطرفين وميليشيات الأحزاب الصهيونية الدينية اليمينة أمثال "بن غفير"، الذي يدعو إلى طرد وقتل أبناء الشعب الفلسطيني، والاعتداء على الأماكن المقدسة، وإلى مزيد من الاقتحامات للمسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة، والتقسيم الزماني لأولى القبلتين وثالث الحرمين.
إنّ نتنياهو المتهم بالفساد من قبل الحكومة الإسرائيلية، لا يمكن اعتباره رجل دولة، هدفه خدمة السلام كما كان رابين، فالأغلب أنه سيعود إلى الحكم ضمن علاقة متوترة مع معظم زعماء العالم، كما أنه معروف بكونه لا يكترث بالقوانين ولا الشرعية الدولية، ولا لأيّ شيء يصدر عن الأمم المتحدة، وأنه يهدّد بالانسحاب من إتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي وقعت مؤخراً بين "إسرائيل" ولبنان.
يعتقد نتنياهو بأنّ المشروع الترامبي المسمى بـ"صفقة القرن" يضمن حلاً لقضية اللاجئين خارج حدود "إسرائيل"، فهو يريد أن يرمي أبناء المخيمات والشتات بعيداً عن "إسرائيل" لتصفية القضية، كما أنه يطالب أبناء الشعب الفلسطيني بالاعتراف بيهودية الدولة، معتمداً في ذلك على ما جاء في مشروع ترامب، والذي بموجبه ستضم "إسرائيل" أراضي غور الأردن من الجانب الفلسطيني، كما أنها لن تنسحب من القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية، بل ستكون القدس بشطريها عاصمة موحدة لدولة الاحتلال، كما سيكون هناك ضم لأراضي المستوطنات في الضفة الغربية، بالإضافة إلى بقاء السيطرة الأمنية الإسرائيلية على الأجواء والحدود وعلى الأرض وما في باطن الأرض بما في ذلك الغاز والمياه الفلسطينية، ويتضمن أيضاً وجوب إلتزام السلطة الوطنية الفلسطينية بتعليمات الاحتلال، فيما يتعلق بتطويع الشعب الفلسطيني للقبول بالاحتلال، وكذلك تحديد دور السلطة بتنفيذ تعليمات وأوامر "إسرائيل" على كافة الصعد، بما في ذلك الأمور الاقتصادية والأمنية والوطنية، الأمر الذي يتوافق مع أحلام نتنياهو المضطرب، الذي يعتقد أنّ تطرفه والاستيلاء على الأرض الفلسطينية هو في خدمة "إسرائيل".
إنّ عنصرية وتطرف نتنياهو واستغلاله للشعبوية الإسرائيلية والاستيطانية المتطرفة ورفضه للسلام من خلال شروطه التعجيزية والقوانين والتشريعات العنصرية التي شرّعها وسوف يشرعها في ولايته القادمة، لا يعتبر وسام فخر على صدره، فهو لا يعكس صورة إيجابية عن "إسرائيل"، بل سيؤثر سلباً على الرأي العام العالمي تجاهها، وسيؤدي إلى مزيد من حالة عدم الارتياح في التعامل معها من قبل قادة العالم، وسيزيد من إصرار أبناء الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال لرفع الظلم عنهم، وإنشاء دولتهم المستقلة على ترابهم الوطني.
على نتنياهو أن يعي بأنّ تحول المجتمع الإسرائيلي نحو الفاشية المتطرفة، يعني أنّ التطرف ينخر في كيان هذه الدولة، الأمر الذي يترتب عليه تبعات سيئة، وأنّ وسم دولة الاحتلال بالعنصرية من قبل منظمات حقوقية دولية أمر مشين، وفي حال تم إعادة إنتخاب ترامب، فإنّ دعمه له سيقتصر على مصالحه الشخصية، إن توفرت.