بأقلامهم >بأقلامهم
"السكّر وحلاوة المعروف"
جنوبيات
ذات يوم من أيّام مضت وانقضت ولم يبقَ منها سوى الذكرى، كان لي شرف الجلوس بمفردي دون سائر أشقّائي مع والدي الحكيم "طيّب الله ثراه" لنحتسي "شاي العصرونيّة" كما كان أبي يحبّ أن يسمّيه.
وبلحظات جميلة عطرة طلب منّي والدي أن أضع السكّر في كوب الشاي الأخضر، بيد أنّي نسيت أن أحرّكه في الفنجان خاصّتي، في حين حرّكته في فنجان الشاي العائد لوالدي الغالي.
ارتشفتُ بعضًا من الشاي فكان طعمه مرًّا. وكان والدي يتابعني بدقّة متناهية فقال بابتسامة زنبقيّة عطرة: "يا ولدي مرارة الشاي لا تعني عدم وجود السكّر فيه! إلّا أنّك بمجرّد تحريكك للشاي ستظهر حلاوته. فالسكّر موجود ولكنّه يحتاج إلى مَن يحرّكه".
وأردف والدي رحمه الله كلامه الطيّب بالقول: كما الشاي كذلك الخير والحبّ فهما موجودان في نفوس أغلب الناس ولكنّهما يحتاجان إلى مَن يحرّكهما.
وعليه، حرّكوا الخير والحبّ في نفوسكم ونفوس مَن تحبّون، عندها ستشعرون بحلاوة طعم حياتكم، وتكتشفون الخير في نفوس الآخرين.
ما أنبل قطعة السكّر! أعطت الشاي ما لديها ثمّ اختفت.
وهكذا هو المعروف بحلاوته، يُعطى بدون منّة أو تبخير، ويختفي داخل ضمير الفاعل لا ينطق به ببنت شفة حفاظًا على المشاعر وعدم إذلال النفوس.
ولهذا، كن كقطعة السكّر وإن اختفت تركت أثرًا جميلًا! فالبصمة الجميلة تبقى وإن غاب صاحبها...
وأخيرًا وليس آخرًا، "مَن يقود المركب إلى برّ الأمان هو بحّار ماهر. ومَن يقودها إلى حيث ألقت أمّ قشعم هو "شحّار" جائر.
وما بين الماهر والجائر يغوص الغائر".