بأقلامهم >بأقلامهم
في تكريم الشيخ حسين شحادة حين يلتقي الفقه والفكر والحب والجمال
جنوبيات
(كلمة ألقيت في الندوة الفكرية لسماحة الشيخ حسين شحادة حول كتاب المفكر العراقي الدكتور عبد الحسين شعبان "الشيخ حسين شحادة.. المنبع والرؤية مقابسات روحية"، التي دعت إليها دار "البيان العربي" برعاية وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى، في مركز توفيق طبارة – بيروت في 23/11/2022)
كنت أشعر وانا استمع إلى الشيخ حسين شحادة – حفظه الله – متحدثاً في أحد الملتقيات الفكرية قبل سنوات، التي سبقت تأسيس ملتقى الحوار بين الأديان والثقافات وعلى رأسه سماحة السيد علي محمد حسين فضل الله، أن هناك شيئاً غريباً في هذا الرجل، بشخصه وفكره وثقافته وسلوكه، يشدّني إليه ويجعلني أشعر بقرب شديد إليه كأحد رواد المراجعة الفكرية والنقدية لأفكار ومسلمات سائدة بيننا، تماماً مثلما كنت أنا أيضاً من دعاة هذه المراجعة الفكرية والنقدية للمشروع الفكري والأداء السياسي القومي العربي الذي نشأت على الالتزام به.
وفي كل خواطر الشيخ حسين التي كنت أتابعها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كنت الاحظ بسهولة عمق الفكر وجمال الأدب وصدق المشاعر في هذا الفقيه المميّز الذي جمع بين الفقه والفكر، والشعر والأدب على نحو يجعلك تحتار إلى أي فصيل من مبدعي الأمّة ينحاز شيخنا الجليل..
وكم سعدت حين اتصل بي الصديق عبد الحسين شعبان وهو المثقف العربي الكبير، ليدعوني إلى المشاركة في ندوة حول كتاب أصدره عن سيرة الشيخ حسين شحادة "المنبع والرؤية مقابسات الروح"، ورأيت فيها فرصة لكي أعبّر عن تقديري لصاحب السيرة وكاتبها اللذين باتا من أعلام الثقافة العربية المعاصرة، وهو الذي يفسّر رعاية معالي وزير الثقافة القاضي الدكتور وسام المرتضى لهذه الفعالية انطلاقاً من إدراكه أنه لم تكن مهمة وزارته الثقافة احتضان القامات الثقافية وانتاجها فماذا تكون؟..
ولقد توقفت خلال قراءتي العجولة لهذا الكتاب الغني أمام الأفكار والمحطات التي حملها الشيخ حسين شحادة، والمحطات التي مرّ بها لبنان والعراق وسورية مروراً بإفريقيا الغربية التي نجح في إنشاء لوبيات عربية إسلامية تناهض اللوبي الصهيوني الذي سخّر كل علاقاته وإمكاناته لإبعاد الشيخ عن إفريقيا.
والأفكار التي أطلقها والمملوءة بالدعوة إلى الحوار والتسامح "والرفقة" وبين أبناء الإنسانية أياً كانت أديانهم ومذاهبهم وأفكارهم والمعلومات الغزيرة التي تملأ سيرته المتوهجة والحوارات الغنية التي أجراها، أدّركت لماذا جذبني إليها شخصية الشيخ الأمين الصادق الذي التزم منهج الإسلام المتنور المنفتح في مواجهة الغلو والتعصب والتطرف.
فالمشروع الفكري لسماحة العلامة الشيخ حسين شحادة يرتكز على ثلاث، كما حدّدها الدكتور شعبان وهي الهوية وتفريعاتها والتعدّدية وأزمة الخطاب الديني والاجتماعي الإسلامي – المسيحي، فهو "حين يكتب، كما قال مؤلف الكتاب" فأنه صاحب نهج وأسلوب، فكرته عميقة ومميّزة وحروفه نظيفة، وحين يتكلم وأن كان صوته خفيضاً، لكن نبرته واضحة ومسموعة ومؤثّرة وحسب جلال الدين الرومي "اخفض صوتك فالزهر ينبته المطر لا الرعد".
كلام كثير يمكن أن يقال في الكتاب وسيرة العلامة التي أحاط بها من جانب، وفي الكاتب الذي بات حضوره في كل محافل الفكر والثقافة على امتداد الأمّة، وفي تجربة جمعت بين علاّمة متدين منفتح ومثقف يساري رفض أن تكون الأيدولوجية ثقب مفتاح لا يسمح لنا أن نرى إلاّ من خلاله ما وراء الباب.
والتحية واجبه لدار البيان العربي للطباعة والنشر على إصدارها هذا الكتاب القيّم والذي رغم حجمه المحدود، لكنه ذا طبيعة موسوعية متصلة بموسوعية صاحب السيرة الشيخ حسين شحادة.