بأقلامهم >بأقلامهم
بالنظام - في الشوط الأول
أخفق مجلس النواب الحالي في اغتنام فرصة المداورة في المناصب الدستورية حين كان بصدد انتخاب رئيسه ونائبه. وكان بإمكانه حينها أن يكسر الحلقة المفرغة التي يدور فيها لبنان منذ مئة عام ولكنه لم يفعل. الفرصة تتكرر اليوم في الاستحقاق الرئاسي وستتكرر عند كل استحقاق، أما نجاحها فشرطه أن يطال التغيير جميع مناصب الصف الأول الدستورية، وألا تُعتبر انتصاراً لفئة أو هزيمة لأخرى.
يعتبر البعض أن انتخاب رئيس غير ماروني مخرج من الأزمة الحالية، والعودة إلى التاريخ تبين أن الانتداب الفرنسي اعتمد هذا الحل أكثر من مرة. لكنه اليوم لن يكون مفيداً في ظل المشهد القائم واقتصار التنافس السياسي على الصراع الطائفي على المناصب وصلاحياتها وما تنتجه من حصص في موارد الدولة، ومن دون أن يرافقه تغيير جذري وشامل في تركيبة النظام السياسي القائم.
من الناحية النظرية لا شيء يمنع انتخاب رئيس من طائفة أخرى لأن الدستور لا ينص على طائفة الرئيس أو على طائفة رئيسي المجلس النيابي ومجلس الوزراء. ولكن من الناحية العملية يحول دون ذلك الخوف المستمر على المصير من جانب الطوائف الخائفة خوفاً أبدياً يصعب تبديده أو يستحيل على أيدي العاملين بالشأن العام الذين تكوّنوا سياسياً على أساس ادعاء تمثيل طوائفهم والعمل لحمايتها وحماية مكاسبها.
حالة الاستعصاء المنتجة للفراغ تتكرر منذ سنوات، ولن تُحلّ بانتخاب الرئيس، لأن المشكلة أعمق من مجرد صعوبة الحسم أو عدم امتلاك فريق الأكثرية اللازمة لانتخاب رئيس. فالتجارب السابقة أثبتت أن الطرف الحائز الأكثرية لا يُقدم ولا يقوى على ترجمتها في تكوين السلطة منفرداً بعد أن فُرض منطق التوافق معبراً إجبارياً ومدفناً للأكثريات النيابية والإرادة الشعبية التي تأتي بها.
مردّ ذلك أن القوى السياسية الأساسية، تتشابه في التكوين الطائفي ولا يمكنها أن تُنتج إلا ما يشبه تكوينها وقد وافقت على تفسير مشوه لمعنى الميثاقية أصبح مرادفاً للتعطيل وأدى إلى إفراغ فكرة الديموقراطية من محتواها. ولهذا يصعب تغيير قواعد العمل السياسي والانتقال به من الصراع الطائفي، غير الدموي حالياً، إلى تنافس سياسي بالمعنى المعروف في علم السياسة.
هذا ما يؤدي في كل مرة إلى الخوف على السلم الأهلي لمجرد التفكير بتفعيل المؤسسات وتسييرها وفق المعنى الحقيقي للنصوص الدستورية. ومن هذه النصوص المادة 49 التي تُستعمل اليوم خلافاً لمعناها الحقيقي لكي تفرض مساراً معيناً في اختيار الرئيس بدل انتخابه.
تساءل كاتب صديق عن سبب تسمية جميع دورات الاقتراع التي حصلت "دورة أولى" لا تليها دورة ثانية. هذا يشبه في زمن المونديال أن يصرّ حكم المباراة على إعلان انتهاء المباراة من الشوط الأول ويفتتح الشوط الثاني على أنه شوط أول وأن يكرر ذلك إلى أن تتغير مجريات اللعبة كما يريد.
المادة 49 تنص على دورات اقتراع متعددة في جلسة انتخاب واحدة، وإن دورات الاقتراع التي تحصل في ما يُسمى جلسة ثانية وثالثة وصولاً إلى الجلسة السابعة، هي في الحقيقة دورات اقتراع ثانية وثالثة وسابعة، وليس ما يمنع إقدام النواب على التصويت فيها لمرشح ينال الأكثرية المطلقة المؤلفة من 65 صوتاً.
قد لا يكون حصول ذلك مرجّحاً ولكنه ممكن. فمن المستبعد أن يتمكن المجلس النيابي من الخروج عن السيناريو المحدد لانتخاب الرئيس وهو التوافق الذي يشكل انعكاساً لتسوية خارجية تكون شاملة أو عابرة.
الانتخاب سيكون فرصة لالتقاط الأنفاس قبل الوقوع في تأزم جديد، ولبنان لن يخرج من أزمته المستمرة منذ عقود لأن قواعد اللعبة لا تتغير دون تغيير اللاعبين.