لبنانيات >أخبار لبنانية
عن تالاسا التي أعادت لعبة " الطرة والنقشة"
عن تالاسا التي أعادت لعبة " الطرة والنقشة" ‎الخميس 28 01 2016 11:51
عن تالاسا التي أعادت لعبة " الطرة والنقشة"


لم تعبر تالاسا من منطقة النبطية، ولم تعفر بثلجها الابيض الموعود جبين التراب. خيّبت العاصفة الموعودة آمال الجميع، الكل انتظرها ولكن عالوعد يا كمون، لا عاصفة في الافق، وانمّا برودة شديدة.

دفع البرد القارس بالاهالي في مختلف المناطق الجنوبية الى البحث عن كل وسائل التدفئة المتاحة، بما يناسب امكاناتهم. الامكانات التي قد تجعل البعض يفضلون الوقوف في اي مكان تسلطت عليه اشعة الشمس، وآخرين أعادوا تشعيل مواقد حجر الحطب، فيما آخرون قرروا العودة لدفاية "التنكة القديمة" فالبرد يحرك الابداع المصور هذه المرة.

الطب جاهز
تقول الامثال الشعبية "دفي حالك احسن ما البرد يطالك" و"الدفا عفا ولو بعز الصيف" ، وتقول معادلة الاهالي "ما حضر المازوت، الحطب جاهز عالدوام" ولكن مع جليد تالاسا كان كل واحد يبحث عن وسيلة تدفئة، سيما وان " البرد خرق العظم"، هذه المرة. في المدينة الصناعية في النبطية تنتشر "دفاية التنكة" باتت الاشهر على الاطلاق بين العمال، ينهمك علي بالبحث في الحقل عن بقايا اخشاب واغصان يابسة، وآخر يبحث عن اوراق يشعلها. حولها يتحلق العمال، فالعمل"غير مطابق للجسم اليوم" يقول محمود ممازحا رفاقه، لدفاية التنك حكاية وقصة، كل واحد يرويها على طريقته " رفيقة الاجداد في الشتاء، سرقتها الصوبيا ولكننا نستعيدها اليوم"، ولكن يوسف يصفها بـ " المكيف البري" الذي يعطينا جرعة دفا، تتوالى الفكاهة بين الشباب، "كل يروي نكتته وحزورته، وكأنك امام مجتمع آخر، تبدو الصورة فيه مبهرة وعلامات البرد بادية على الوجوه.

"تنكة حليب"
"شاطر" اللبناني باستغلال كل ظروفه لتتماشى مع اي تغيير طارئ، "تنكة الحليب او السمنة تحولت الى مدفأ الطوارئ، فمن الطبيعي أن نخترع وسيلة تقينا البرد القارس"، كما يقول علي، أحد الاشخاص الذين استخدموا "التنكة" موضة للتدفئة. اختفت تنكة الحطب لفترة من الزمن وحل مكانها الكانون، وذلك بسبب رخص ثمن الفحم، ولكن التجربة كانت افضل دليل على انتصار "التنكة"، وكأنّك في جلسة رومانسية. يمازح علي، تعلو ضحكات العمال ومعها طرطقات الحداد والنجار وصوت المعلم " يلا عالشغل" يبادره محمود "الدنيا جليد"، فكثيرون فضلوا البقاء في منازلهم بدلاًَ من الالتحاق بأعمالهم، امّا من نزل الى عمله، فكان يحاول جاهداً أن يخترع اية وسيلة تقيه شر البرد القارس.

تنتشر تنكة الحطب بين المحال الصناعية، بعضهم فضل الصوبيا بلا قساطل يضعها امام المحل، وآخر الدفاية، ولكن حسام ورفاقه حولوا "شوليمون" التلحيم مصدرا للتدفئة، يشعل "الشوليمون" ويتحلق حوله الرفاق، يعتبر حسام " ان البحث عن الدفا اساسي اليوم حتى لو كنت سآتي بغسالة واشعل داخلها الحطب"، يبدع اللبناني في قلب العواصف لصالح اهوائه "شرط ان يخفف حدة الصقيع، ما شفنا تلجات تالاسا بس موتتنا ببرداتها" يقول ويده تكاد تلامس السنة النار المتصاعدة، فيما اليد الأخرى تلتقط السلفي " لتسجيل الحدث على الفايسبوك، "فشة خلق من الحال الصعبة خلينا نضحك".
مع كل عاصفة هناك ابداع، وكأن المواطن كلّ وملّ مما يحدث حوله وانتظار رئيس وخلافه " كفانا لعب طرة ونقشة، فأنشغل في ترقب العواصف" وان لم تحضر يقول يوسف "العواصف دفعتنا لنستعيد تلك اللعبة، ومعها لعبة القنينة وغيرها، افضل من الحكي بالسياسة، بلا وجع راس".

صناعة الابتكار
قديما كانت العواصف تحبس الاهالي اياما في المنازل، وكانت المدافئ لا تتوفر في كل البيوت، فالحطب كان سيد الجلسات، تطورت التدفئة ووسائلها ودخلت الصوبيا التنك ثم الفرن والحطب وبات الابتكار الحديث سيد هذا العالم، فأغلب السيدات يفضلن صوبيا "عالموضة"، حتى سميت صناعة " المدافئ" بـ " صناعة الابتكار".
في الفترة الماضية تخلى عدد كبير من الاهالي عن مدافئ المازوت، واستعاضوا عنها بالحطب. ابو حسن احد الذين يفضل الحطب على المازوت " اكثر صحي ويعطي دفئاً اكثر"، يجمع ابو حسن الحطب من الحقول في فترة الصيف، ويعمل على تقطيعها ورصها في غرفة الحطب، يتفقدها بشكل مستمر " يكاد الحطب ان ينفد، البرد قوي جدا ولا يوجد حطب في الحقول استنفدها المواطنون".

تركت تالاسا وشقيقاتها السابقات اثارا صحية جمة على الاهالي، فاستفحل " الرشح" في صفوفهم وعاد العز لكوب " الزهورات" والزنجبيل، فتحول صديق الجلسات بين الكبار والصغار، وعادت شوربة العدس بسلق والمهروس سيد الموائد للاهالي قرب موقد النار والنرجيلة والجزر الاحمر بسكر.
لم تتأثر قرى النبطية بالعاصفة تالاسا، ولكنها تركت آثارها على المواطن، عطلت حركة العمل بسبب الحرارة المنخفضة التي صاحبتها واحدثت اضرارا بالمزروعات، وتركت تخوفا من إنتشار " الأنفلونزا" خاصة أن عددا كبيرا من الاطفال اصيبوا بالرشح وارتفاع حاد بالحرارة بسبب الطقس، وعدا ذلك كانت نكتة الشباب حول التنكة والشوليمون والنرجيلة. يقول الختيار ابو علي الذي يعتمر قبعة وشالا ويحمل عصاه " حاجي يلهونا بالعواصف ويبعدونا عن واقعنا، نحنا بالشتا. وزمان كانت العواصف تهد بيوت، اليوم صار اسما عالي وفعلا صغير متل كلام السياسيين".

 

 

 

المصدر : رنا جوني