مقالات هيثم زعيتر >مقالات هيثم زعيتر
سليم الزعنون.. حامل كلمة سر الانطلاقة!
سليم الزعنون.. حامل كلمة سر الانطلاقة! ‎الجمعة 16 12 2022 09:07 هيثم زعيتر
سليم الزعنون.. حامل كلمة سر الانطلاقة!

جنوبيات

نفتقدُ برحيل المُناضل سليم الزعنون "أبو الأديب"، قائداً فذّاً، ارتبط اسمه ارتباطاً وثيقاً بمسيرة النضال الوطني الفلسطيني، في مجالاتٍ مُتعدّدة، طالباً، مُربياً، أديباً، مُثقفاً، قاضياً، سياسياً وبرلمانياً.

تشهدُ ساحات فلسطين، مصر، الكويت والأردن، على بصماته المُميّزة في المجالات التي عمل بها.

أحد مُؤسّسي حركة "فتح" وعضو لجنتها المركزية حتى رحيله، والبرلماني في المجلس الوطني الفلسطيني على مدى 54 عاماً، بين أمينٍ للسر (1968)، نائبٍ للرئيس (1969-1993)، رئيسٍ بالوكالة (1993-1996) ورئيسٍ (1996-2022)، حين قدّم استقالته.

سليم الزعنون، المولود في قطاع غزّة، في 28 كانون الأول/ديسمبر 1933، يرحلُ قبل 14 يوماً من عيد ميلاده الـ89، والذكرى الـ58 لانطلاقة الثورة الفلسطينية، بمسيرةٍ اتَّسمت بالشفافية، الفروسية، الإقدام، النظرة الثاقبة، حماية القانون، إيجاد المخارج في المآزق والمُلمّات، وصاحبُ المُهمّات الخاصّة.

تعرّفتُ إلى العم "أبو الأديب" مُنذ عقودٍ عدّة، وكانت هناك محطّاتٌ مُتعدّدة، لكن أبرزها:

- في العام 2009: عندما عُقِدَتْ جلسة خاصة للمجلس الوطني الفلسطيني، يومَيْ 26-27 آب/أغسطس 2009، وفقاً للمادّة 14 (الفقرة ج)، لملء 6 شواغرٍ في اللجنة التنفيذية، حتى لا تفقد نصابها، يومها اختارني لمُساعدته مع الأخ نجيب القدومي (أطال الله بعمره) في الأعمال التحضيرية للجلسة، واختُرتُ كعضوٍ مُراقب في المجلس الوطني.

-  في العام 2018: عُقِدَتْ جلسة للمجلس الوطني بين يومي 30 نيسان/إبريل و5 أيار/مايو 2018، لانتخاب لجنة تنفيذية جديدة لـ"مُنظّمة التحرير الفلسطينية"، حيث اختُرتُ لعُضوية المجلس الوطني، وأيضاً كعضوٍ مُستقل عن لبنان في المجلس المركزي الفلسطيني.

ثم عُقِدَتْ جلستان للمجلس المركزي في 15-16 آب/أغسطس و28-29 تشرين الأول/أكتوبر من العام ذاته.

- في العام 2022: عُقِدَتْ جلسة للمجلس المركزي، بين يومي 6-8 شباط/فبراير 2022، أعلن خلالها "أبو الأديب" استقالته من رئاسة المجلس الوطني الفلسطيني، وانتُخِبَ روحي فتوح رئيساً له.
لكن، إحدى المحطّات الهامّة، التي وثّقتُها على لسان العم "أبو الأديب"، كانت عن اللحظات التي سبقت انطلاقة حركة "فتح" والثورة الفلسطينية في مثل هذه الأيام من العام 1964، وكانت له والرئيس محمود عباس كلمة الفصل بترجيح موعد الانطلاقة التي أعلنها الرئيس ياسر عرفات.

وتحدّث الزعنون، قائلاً: "في صيف العام 1964، حاولتْ حركة "فتح" إقناع أحمد الشقيري، الذي كُلّف بتشكيل "مُنظّمة التحرير الفلسطينية" في العام ذاته، بأنْ يكون مسؤولاً عن "حركة التحرير الوطني الفلسـطيني"، وأبـلغـه ياسـر عـرفـات عن أنّنا على استعداد  لتقديم موعد انطلاقة الثورة الفلسطينية من بداية العام 1965، 3 أشهر، وأن نُعلن عن أنّك على رأس هذه الانطلاقة، التي ستنطلق من داخل الأراضي الفلسطينية المُحتلة، ونُريد أنْ تذهب إلى "مُؤتمر القمة العربية"، الذي كان سيُعقد في العام 1964، وتقول للذين ينتظرون معرفة ماذا فعلتْ في التشكيل: "أنا زعيم هذه الانطلاقة المُسلّحة"، وسنضع في حركة "فتح" كل جُهودِنا وطاقتنا لأنْ تكون هذه الانطلاقة باسم "مُنظّمة التحرير الفلسطينية"، التي تُزمِع أنتَ الإعلان عن تشكيلها، لكن الشقيري ردّ لاحقاً بأنّ علينا الاستفادة من الفُرصة المُعطاة لنا من الدول العربية".

أضاف: "بعد اجتماعات داخل اللجنة المركزية لحركة "فتح"، تباينتْ وجهات النظر حول موعد انطلاق الكفاح المُسلّح، بتاريخ 1 كانون الثاني/يناير 1965، وكان عادل عبد الكريم وعبدالله الدنان، ومعهما عدد من أعضاء اللجنة المركزية الموجودين في الأردن، يقولون إنّ الاستعدادات غير كافية لانطلاق عمل الكفاح المُسلّح، والتوقيت هو مُغامرة، وعلى ياسر عرفات أنْ يكبح جماحه لأنّه مُتحمّسٌ أكثر ممّا يجب، بينما كان "أبو عمّار" يُعلن عن أنَّ مَنْ يُريد التضحية بنفسه لا يحتاج إلى استئذان، وأنّ مـوضـوع الكـفـاح المُسلّح لا يُحسَم بالأقلية أو الأكثرية، وإنّه مُتأكدٌ من أنّ الموعد مُناسب، والإمكانيات الموجودة كافية، وكان يعتبر فكرة: إذا كان المال قليلاً، فبعد الانطلاقة سيأتي هذا المال من كل الذين سيُؤمنون بهذا العمل المُسلّح، وبعد اتساع الخلافات داخل اللجنة المركزية لحركة "فتح" في الكويت، تقرّر إرسال مَنْ يدرُس الأمور ووقع الاختيار عليّ (أبو الأديب) للتوجُّه إلى الأردن، لأنّ الانطلاقة ستكون من الأردن وغزّة، لكن الأساس هو الأردن، وبعد العودة سيُقرّر ماذا يُمكن فعله".

وتابع الزعنون: "ذهبتُ إلى عمّان، بتاريخ 23 كانون الأول/ديسمبر 1964، وقابلتُ الشخصيات التي ذكروها لي، ثم نزلتُ إلى القدس، حيث التقيتُ رجلاً مُهمّاً كان في "مُنظّمة المُؤتمر الإسلامي" يُدعى رمضان البنا، وكان رأيه مُشجّعاً للانطلاقة، وفي نابلس قابلتُ شخصاً من عائلة "السفاريني" ويعمل مُحامياً، وكان اللقاء معه سريّاً، فقد كان الوضع الأمني مُغلقاً، وكان أيضاً مُتحمّساً، كذلك فإنَّ بعض الذين قابلتهم قالوا لي بعد الانطلاقة ستكون هناك اعتقالات، ونحن بحاجة إلى 50 ألف دينار أردني لنكون مُستعدين لدفع نفقات أسر المُعتقلين، وطبعاً في ذلك الوقت لم تكُن حركة "فتح" تملُك مثل هذا المبلغ المُرتفع... يوم 28 كانون الأول/ديسمبر 1964، وأثناء وجودي في "فندق بارك الجديد" في عمّان، فوجئت بشخص يقرع باب غرفتي، وإذ به "أبو يوسف" النجّار، وكُنتُ أكتب تقريراً للحركة، بناءً على اللـقـاءات، وقد كان إيـجـابيـاً، خاصـة بالنسبـة إلى مَنْ يُريـدون الانـطـلاقــة، فسـألني "أبـو يوسف": "إلى أين وصلت؟"، ثم أخذ الورقة وبدأ يقرأ التقرير". ثم قال لي: "أنتَ مرغوبٌ بك لدى شخص مُعيّن، تعال معي".

وواصل "أبو الأديب" كلامه: "ذهبتُ معه إلى "فندق فيلادلفيا" في عمّان، ومن بعيد وقبل أنْ أصل إلى الغرفة شاهدتُ شخصاً يرتدي ملابس باكستانية، وعندما اقتربتُ منه، وجدت أنّه الأخ "أبو عمّار". وكان قد جاء عن طريق مطار قلنديا مُتخفياً، حيث يأتي السُيّاح إلى هذا المطار بكثرة، وعندما قال له "أبو يوسف" النجّار: "إنّ "أبو الأديب" معنا ومن رأينا، إرضَ عنه". قال لي: "أنتَ حبيبي، أنتَ الآن انضممتَ إلى فريق المجانين، فأنا ومَنْ معي من هذا الرأي، إخوانُك في المركزية يقولون عنهم مجانين، وأنتَ الآن معنا، ومعنا ستبدأ الانطلاقة".

وأردف الزعنون: "عاد "أبو عمّار" بجوازه الباكستاني واسمه المُستعار إلى باكستان، فيما عُدْتُ إلى الكويت، وتوجّه "أبو يوسف" النجّار وبيده البيان العسكري رقم 1 باسم "قوّات العاصفة" إلى سوريا ولبنان، حيث جرى توزيعه على الصُحف وخصوصاً في لبنان، كما جرى نشر البيان لحظة تفجير عملية عيلبون بتاريخ 1 كانون الثاني/يناير 1965. لقد كان خيار "أبو عمّار" أنْ لا يتم وضع البيض كلّه في سلة واحدة، لهذا تمَّ توزيع القيادة على أكثر من مكان، كما تمَّ التوافُق خلال لقاء عقده أعضاء اللجنة المركزية لحركة "فتح" في الكويت، على أنْ تتم الانطلاقة تحت اسم "قوّات العاصفة"، فإذا نجحت الانطلاقة تستمر، ويُعلن عن أنّها الجناح الضارب لحركة "فتح"، وإذا فشلت الانطلاقة يتحمّلها ياسر عرفات والذين وافقوا معه، وقد اختير هدف العملية الأولى، ليحمل اسم عملية "عيلبون"، لأسبابٍ عدّة".

رحل المُناضل "أبو الأديب"، لينضم إلى قافلة المُناضلين من أجل القضية الفلسطينية، تاركين إرثاً سيكون نوراً تهتدي به الأجيال المُقبلة، من أجل تحرير فلسطين وإقامة الدولة المُستقلة وعاصمتها القدس الشريف وعودة اللاجئين.

https://www.maannews.net/articles/2083371.html

سليم-الزعنون-حامل-كلمة-سر-الانطلاقة/https://aliwaa.com.lb

المصدر : اللواء