بأقلامهم >بأقلامهم
"سهار بعد سهار"
جنوبيات
إنّها من أجمل الأغاني التي غنّتها سفيرتنا إلى النجوم السيّدة فيروز صاحبة الصوت الملائكيّ كما وصفها موسيقار الأجيال محمّد عبد الوهاب.
فما هي قصّة هذه الأغنية الرائعة؟
في العام ١٩٦١ زار الموسيقار محمّد عبد الوهاب لبنان، ومن ضمن زيارته لوطنه الثاني كان في ضيافة الموسيقار عاصي الرحباني والسيّدة فيروز في منزلهما الكائن في منطقة زقاق البلاط ببيروت المحروسة القريبة من أسواق المدينة. وقد تأخّر في السهرة، وحينما همّ للمغادرة مودِّعًا قال له العبقريّ عاصي محاولًا ثنيه عن المغادرة:
"سهار بعد سهار تيحرز المشوار".
وكان يقصد بذلك إطالة السهرة لكي تتماشى مع طول المشوار (من مكان إقامة الأستاذ محمّد عبد الوهاب والمسافة التي تفصله عن بيت الكبيرين عاصي وفيروز).
ابتسم عبد الوهاب، وهو الذوّاق في انتقاء الكلمة، وطلب إلى عاصي أن يكمل العبارة، فتابع عاصي مرتجلًا:
كتار هَوْ زوّار... شويّ وبيفلّوا (يأتي زوّار كثر لكنّهم سرعان ما يمضون)
وعنّا الحلا كلّو... وعنّا القمر بالدار… (لدينا كلّ الجمال والقمر يطلّ علينا)
وردّ وحكي وأشعار... بسّ اسهار.
غادر عبد الوهاب ولم ينم في تلك الليلة حتّى كان هذا المقطع ملحَّنًا بالكامل.
وفي اليوم التالي اتّصل بعاصي وأسمعه المقطع ملحَّنًا، وبعد أن سمعه عاصي أضاف إليه:
بيتك بعيد وليل ما بخلّيك… ترجع
أحقّ الناس نحنا فيك…
رح فتّح بوابي...
وإنده على صحابي…
قلّن قمرنا زار…
وتتلج الدنيي اخبار…
بسّ سهار…
والنوم مين بينام غير الولاد…
بيغفوا وبيروحوا يلملموا أعياد...
ما دام إنّك هون…
يا حلم مَلْوا الكون…
شو همّ ليل وطار…
وبينقص العمر نهار…
بسّ سهار.
وأتمّ عبد الوهاب لحن الأغنية وقدّمها لفيروز.
وعندما سئل عبد الوهاب عن الذي أعجبه بالجملة أجاب:
حرف "التاء" الذي قام مقام كلمة كاملة بالعامّيّة المصريّة وهي "علشان". وأضاف: لقد أحببت رشاقة العامّيّة اللبنانيّة في اختزالها التعبير بهذا الشكل الجميل (تيحرز المشوار).
وكانت رائعة سهار بعد سهار...
والملاحظ في هذه الأغنية أنّ موسيقار الأجيال محمّد عبد الوهاب لجأ الى نفس أسلوب الأخوين رحباني في التعبير الموسيقيّ وهي أمور يعرفها متذوّقو ألحان الرحابنة الكبار.