رغم ما تبذله قوات الاحتلال من عمليات ملاحقة مكثفة على مدار الساعة للخلايا المسلحة في الضفة الغربية، لم تنجح حتى الآن في كبح جماح هجماتها، لكن التركيز الإسرائيلي بدا لافتا على "كتيبة جنين" التي تشكلت منذ آيار/ مايو 2021، وتتمتع بدعم الشارع الفلسطيني. وأصبحت مؤخرا أكثر تنظيما ومؤسسية.

أمير بوخبوط المراسل العسكري لموقع ويللا، ذكر أن "كتيبة جنين تجمع حولها عددًا من المسلحين الذين ينفذون هجمات عسكرية ضد المستوطنين والجنود، وتسعى لإحباط أي نية للجيش لاقتحام المخيم، فيما قرر الجناح العسكري لحماس من عدة مناطق تحويل أموال كثيرة لمقاتلي الكتيبة، وصولا للإيرانيين، وتم استخدام هذه المبالغ الكبيرة بسرعة لشراء أسلحة وذخائر، وتنفيذ عمليات إطلاق نار". وفق زعمه.

وأضاف  أن "نشوء كتيبة جنين تزامن مع حالة الضعف التي تمر بها السلطة الفلسطينية تدريجياً منذ عدة سنوات، وكذلك أجهزتها الأمنية التي تخشى بشدة العمل في مخيم مساحته 700 متر مربع، فيما كان عنوان الحملة العسكرية الإسرائيلية التركيز على شمال الضفة الغربية، التي حظيت باستهداف مركز منذ عملية السور الواقي 2002، وسط تخوف إسرائيلي من أن الفراغ الذي سينشأ فيها سيؤدي إلى تصعيد واسع، وفي كل مرة حاول الجيش اقتحام مخيم جنين، يتجرأ المسلحون للدفاع عنه".

ونقل عن كبار ضباط الجيش أنهم "فوجئوا من استئناف موجة الهجمات المسلحة منذ آذار/ مارس، في النقب وبئر السبع والخضيرة وإلعاد وبني براك وتل أبيب، وعدد لا بأس به من المنفذين قادمون من مخيم جنين للاجئين، حتى بات الخوف كبيرا جدا في أوساط الجيش والمستوى السياسي، خاصة عند مقتل عدد من الجنود والضباط في اشتباكات داخل جنين، حيث ظهرت شدة إطلاق النار عالية جدًا نتيجة المبلغ الكبير الذي تم تحويله من حماس إلى جنين".

ونقل عن "عدد من الساسة الإسرائيليين أنهم انتقدوا الجيش لأدائه في جنين، ودعوه لعملية سور واقي 2 لإعادة الهدوء، لكن أفيف كوخافي زعم وجود خطط لعملية واسعة في جنين، في ضوء الكثير من الجرأة الفلسطينية لتنفيذ هجمات معقدة، رغم التقدير الإسرائيلي أن عمليات الجيش ليست رادعة، لأن المسلحين يعيدون تشكيل الواقع في كتيبة جنين انطلاقا من مخيم يضم حاليا مائة وخمسين مسلحا، وليس لديهم قائد واحد واضح خشية أن يتم اغتياله من قبل الاحتلال".

وزعم بوخبوط أن "كتيبة جنين تحصل على ميزانية تقدر بملايين الشواقل، ويعرّفون أنفسهم بأنه ليس لديهم انتماء تنظيمي، ويرتدون قميصا موحدا مكتوب عليه أبناء المخيم، والكتيبة مقسمة إلى فرق ذات أدوار مختلفة، وبين حين وآخر يقيمون مسيرات واستعراضا للقوة في ساحة المخيم، أو نادي الأسرى، أو الصالة الرياضية، ومن التوثيق الميداني يتضح أن لديهم أجهزة اتصال بعيدة المدى، والكثير من الذخيرة لأنواع مختلفة من البنادق، بعضها سُرق من الجيش، ومسدسات، ومعدات الرؤية الليلية".

وأوضح أنه "في الأشهر الأخيرة وضع عناصر كتيبة جنين الكاميرات في شوارع المخيم، وعلى أطراف المدينة، لتسجيل كل ما يحصل خاصة على أسطح المنازل، وفي الشوارع على مدار الساعة، وسط خشية من غارات الجيش السريعة للاعتقالات والاغتيال، وفي الأسابيع الأخيرة تم نصب حواجز على الطرق للمركبات، ونقاط تفتيش مؤقتة لتصعيب وصول الجيش للمخيم، وليسدوا المحاور، ويطلقوا النار على قواته من عدة اتجاهات، ويظهروا أنهم عنيدون، ولا يستسلمون".

ونقل عن ضابط إسرائيلي كبير في وحدة النخبة أن "الشغل الشاغل لديه ليس فقط دعم سكان مخيم اللاجئين للمسلحين، وعزوف السلطة الفلسطينية، لكنه الانتقال من مجموعة مسلحين إلى كتيبة منظمة ومؤسسية، ينضم إليها أسرى سابقون من ذوي المعرفة والخبرة المهنية في المقاومة، في مختلف المجالات والنفوذ، وقد توقفت كتيبة جنين منذ فترة طويلة عن قبول أي شخص يريد حمل السلاح، بل التصرف بطريقة منظمة للغاية، وهي في مرحلة انتقالية من هجمات إطلاق النار إلى الهجمات القائمة على المتفجرات".

ورصد في تقريره "وجود زيادة بنسبة 400٪ في عمليات إطلاق النار في الضفة الغربية، وقتل 31 إسرائيليا، منهم 18 نتيجة العمليات التي نفذها مسلحون من جنين، ووفق مزاعم الجيش فإن كتيبة جنين لم تعد مستكفية بهجمات إطلاق النار ضد مواقع الجيش الإسرائيلي، بل تنوي تنفيذ هجمات باستخدام أحزمة ناسفة في عمق إسرائيل، وقد أحبط الجيش في الأشهر الأخيرة عددًا من المجموعات التابعة لها خططت لشن هجمات بالقنابل واستهدف عموما 220 خلية مسلحة".

ويكشف هذا التقرير الإسرائيلي عن وجود تخوف حقيقي لدى جيش الاحتلال من تنفيذ عملية واسعة النطاق في قلب مخيم اللاجئين، واكتفائه بعمليات سريعة، بزعم أن أي عملية من هذا القبيل تنتهي بقتل وجرح عدد كبير من المسلحين قد يؤدي لدخول أوسع نطاقًا من عدد كبير آخر من المسلحين الذين سيضرمون النار مباشرة في كل أنحاء الضفة الغربية، وقد يمتد الأمر لقطاع غزة، وقد يهز السلطة الفلسطينية بشكل يتعارض مع المصلحة الأمنية الإسرائيلية.

ولا شك أن الواقع الذي فرضته كتيبة جنين وباقي الخلايا المسلحة على قوات الاحتلال جعلت منه واقعا صعبًا ومعقدا للغاية، ويستغرق التعامل معها وقتًا ليس قصيرا، مما يدفع جيش الاحتلال للدخول في حالة من التحدي الكبير في حرب العقول ضد الكتيبة وغيرها من الخلايا الفدائية.